(ألبرز) تعبر مضيق باب المندب برفقة (بهشاد)..

التحركات الإيرانية في البحر الأحمر.. استعراض قوة أم ردع للتهديدات الغربية؟

"في ظل التوتر المتصاعد على خلفية أول مواجهة مباشرة بين جماعة الحوثي اليمنية والبحرية الأميركية في البحر الأحمر، تعبُر المدمرة الإيرانية "ألبرز" القتالية برفقة سفينة "بهشاد" العسكرية مضيق باب المندب، تزامنا مع محادثات مكثفة يجريها المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، مع كبار المسؤولين الإيرانيين".

سفينة إيرانية غامضة تحدد الأهداف للحوثيين - أرشيف

طهران

أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن خبراء بحريين يشتبهون في أن سفينة بحرية غامضة التحركات وتبحر بين البحر الأحمر وخليج عدن، تعمل على تزويد الحوثيين بالبيانات التي تساعدهم في تحديد أهداف هجماتهم على السفن.

وأوضحت الصحيفة في تقرير لها أن السفينة الإيرانية "بهشاد"، التي تواجه حاليا تدقيقا مكثفا من قبل الخبراء البحريين، انتقلت إلى خليج عدن بعد سنوات في البحر الأحمر، تماما في الوقت الذي تصاعدت فيه الهجمات على السفن في الممر المائي الحيوي قبالة اليمن.

وأضافت أن "بهشاد"، التي تبدو ظاهريا كناقلة مواد جافة عادية، انتقلت إلى خليج عدن في يناير/كانون الثاني الماضي، واتبعت منذ ذلك الحين مسارا غير تقليدي وبطيء ومتعرج حول تلك المياه القريبة من مدخل البحر الأحمر.

وأشار الخبراء أيضا إلى انخفاض في هجمات الحوثيين خلال فترة الشهر الماضي عندما كانت "بهشاد"، على ما يبدو، خارج العمل.

 

سلوك السفينة غير عادي

وقال جون غاهاغان، رئيس شركة "سدنا غلوبال" المتخصصة في المخاطر البحرية، إن سلوك "بهشاد"، المسجلة في إيران وتحمل العلم الإيراني، كان "غير عادي للغاية"، ولا يشبه سلوك سفن النقل العادية، متسائلا عن وظيفتها "إذا لم تكن تزوّد الحوثيين بمعلومات استخباراتية عن تحركات السفن في المنطقة؟".

وقال التقرير إن المخاوف من تورط "بهشاد" في تقديم معلومات استهداف للحوثيين تزايدت منذ هجوم هذا الأسبوع على السفينة "ترو كونفيدانس"، التي تحمل صلبا وشاحنات من الصين إلى السعودية، لا سيما وأن "بهشاد" كانت على بعد 80 كيلومترا بحريا عندما تم ضرب "ترو كونفيدانس"، وجاء هذا الهجوم بعد 6 هجمات أخرى في خليج عدن أو عند مدخل البحر الأحمر خلال 15 يوما فقط.

 

وزير الدفاع البريطاني أثار مخاوف بشأنها

وسلط وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس الشهر الماضي الضوء على المخاوف بشأن السفن الإيرانية التي "تتسكع" قبالة اليمن. وقال أمام مجلس العموم: "يحتاج العالم كله إلى مواصلة الضغط على إيران للتوقف والكف عن هذا السلوك".

وتم تسجيل "بهشاد" كناقلة مواد جافة عادية، وتبدو ظاهريا أنها مثل أي سفينة من آلاف السفن التي تتجول في المحيطات.

 

صلة وثيقة بين تحركاتها وهجمات الحوثيين

ومع ذلك، علق خبراء الأمن البحري منذ فترة طويلة على الصلة الوثيقة بين "بهشاد" وهجمات الحوثيين. وبعد سنوات، وبعد أن كانت السفينة شبه ثابتة في البحر الأحمر، أبحرت السفينة جنوبا في 11 يناير/كانون الثاني عبر مضيق باب المندب الضيق إلى خليج عدن، كما تظهر معلومات من "مارين ترافيك".

وعلق جون غاهاغان إلى الروابط بين حركات "بهشاد" والهجمات على أنها مصادفات غير قابلة للتصديق، مضيفا أنه إذا كانت إيران تعطي أسلحة للحوثيين فإن دور "بهشاد" المشتبه به في اكتشاف السفن ليس مستبعدا.

 

ما الإجراء المتوقع

ومع ذلك، تقول "فايننشال تايمز" لا يزال من غير الواضح ما الإجراء الذي يرغب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة تهديد الحوثيين للشحن ضد السفينة المثيرة للجدل. ولم ترد وزارة الدفاع البريطانية على الفور على سؤال حول ما تعتزم القيام به بشأن هذه القضية.

وأشار مارتن كيلي، كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في مجموعة "إي أو إس ريسك الأمنية البحرية" EOS Risk Group، إلى أن طهران ستعتبر على الأرجح أي هجوم على "بهشاد" بمثابة عبور "لخط أحمر". ولهذا السبب، كان من الصعب أن نرى كيف يمكن مواجهة التهديد على الفور من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

 

توقعات باتساع دائرة التصعيد

وفي تعليقه على إعلان غرق السفينة "إم في روبيمار" في اليمن، توقع الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء فايز الدويري أن يحدث تصعيد متبادل بين التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبين جماعة الحوثيين.

وأعلنت خلية الأزمة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا غرق سفينة الشحن البريطانية "إم في روبيمار" قبالة السواحل اليمنية مساء الجمعة تزامنا مع رياح شديدة يشهدها البحر الأحمر.

وقال الدويري إن دائرة التصعيد بين التحالف الأميركي والحوثيين ستتسع، مما سيؤدي إلى تأثر الملاحة وارتفاعات قياسية في مستويات التأمين، مؤكدا أن الجميع سيدفع الضريبة.

 

كارثة بيئية

وبخصوص الكارثة البيئية التي قد يتسبب فيها غرق سفينة الشحن البريطانية، ذكّر الخبير العسكري والاستراتيجي بتصريح سابق له قال فيه إن استهداف ناقلة نفط في الحد الأدنى سيفضي إلى تلويث الشواطئ اليمينة.

يذكر أن خلية الأزمة قالت إن غرق السفينة سيسبب كارثة بيئية في المياه الإقليمية اليمنية والبحر الأحمر لاحتواء السفينة على آلاف الأطنان من الأسمدة غير العضوية والوقود، وفق التحذيرات الدولية.

وكانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) قد أعلنت استهداف السفينة البريطانية في خليج عدن يوم 18 فبراير/شباط الماضي. يأتي ذلك في سياق استهداف الحوثيين بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، وذلك تضامنا مع قطاع غزة.

وفي مواجهة هجمات الحوثيين، أنشأت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي تحالفا بحريا متعدد الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر.

 

استعراض قوة أم ردع للتهديدات الغربية؟

وفي ظل التوتر المتصاعد على خلفية أول مواجهة مباشرة بين جماعة الحوثي اليمنية والبحرية الأميركية في البحر الأحمر، تعبُر المدمرة الإيرانية "ألبرز" القتالية برفقة سفينة "بهشاد" العسكرية مضيق باب المندب، وذلك تزامنا مع محادثات مكثفة يجريها المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام، مع كبار المسؤولين الإيرانيين.

ورسميا، تذكر وكالة أنباء "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري في طهران، أن الأسطول الإيراني ينفذ مهام روتينية في المياه الدولية لتأمين خطوط الملاحة ومواجهة القرصنة البحرية، فضلا عن مهام أخرى، في حين تذهب الأوساط الإيرانية إلى أن خطوة بلادها جاءت عقب تهديد لندن بتوجيه ضربة مباشرة ضد جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران.

ويأتي التحرك الإيراني بعد ساعات فقط من محادثة هاتفية بين وزيري خارجية إيران حسين عبد اللهيان ونظيره البريطاني ديفيد كاميرون بشأن تطورات البحر الأحمر؛ حيث كتب الأخير في تغريدة على منصة "إكس"، "لقد أوضحت أن إيران شريكة في المسؤولية عن منع هذه الهجمات، نظرا لدعمها الطويل الأمد للحوثيين".

 

الأسباب والأهداف

وفي معرض تعليقه على سبب إرسال بلاده أسطولها إلى البحر الأحمر في التوقيت الراهن، يرى القيادي السابق في الحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم، أنه يأتي "ردا على عسكرة البحر الأحمر واستعراض القوات الأجنبية عضلاتها فيه".

يشير كنعاني مقدم إلى زيارة محمد عبد السلام المتواصلة إلى طهران، مؤكدا أن طهران لن تترك حلفاءها الحوثيين وحيدين "في مواجهة الغطرسة الصهيوأميركية"، ويضيف أن الجمهورية الإسلامية سبق وحذرت من أنها لن تسمح للأجانب بالعبث في منطقتنا.

وقبيل تشكيل تحالف "حارس الازدهار" لمواجهة الحوثيين الشهر المنصرم، حذّر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني، الولايات المتحدة من أنها "ستواجه مشكلات استثنائية إذا أرادت تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر"، وقال إنه "لا يمكن لأحد التحرك في منطقة اليد العليا فيها لإيران".

ويعتقد القيادي السابق في الحرس الثوري، أن البحر الأحمر ازداد حمرة جراء إراقة دماء 10 حوثيين باستهداف أميركي الأسبوع الجاري، معدّا استقرار الأسطول الإيراني قرب "باب المندب" يحمل رسالة دعم للحوثيين ورسالة ردع للتحالف الأميركي ومغامراته هناك، على حد وصفه.

وتابع كنعاني، أن التحرك العسكري الإيراني نحو البحر الأحمر، حيث الحليف اليمني، يبعث رسالة تحذير واضحة للجانبين الأميركي والبريطاني من مغبة أي تطاول على الحوثيين كونهم جزءا أساسيا من محور المقاومة، مؤكدا أن طهران لن تبدأ حربا في البحر الأحمر، إلا إذا بادرت القوات الأجنبية بمهاجمة مصالحها.

 

استعراض قوة

في المقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "الشهيد بهشتي" علي بيكدلي، في قرار بلاده تحريك أسطولها البحري نحو البحر الأحمر "استعراضا للقوة ورسالة دعم للحوثيين"، موضحا أن مدمرة "ألبرز" قديمة جدا، وبالرغم من تحديثها خلال السنوات الماضية، إلا أن قدراتها لا ترتقي لمواجهة الأساطيل الدولية الموجودة هناك.

واستبعد الأكاديمي الإيراني حدوث أي مواجهة حقيقية بين السفن الحربية الإيرانية والغربية قرب مضيق "باب المندب"، مؤكدا أن طهران والعواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن لا تريد التصعيد في التوقيت الراهن.

وقرأ محادثات الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام، بطهران، في سياق التنسيق بين الجانبين الإيراني واليمني عقب الرسائل التي وجهتها الدول الغربية إلى الجمهورية الإسلامية، كونها الحليف المقرب للحوثيين.

ورأى بيكدلي، أن بلاده قد تلقت رسائل غربية تدعو لضغط طهران على الحوثيين لخفض التوتر بالبحر الأحمر، مؤكدا أن بلاده تطالب في المقابل بالضغط الغربي على إسرائيل لوقف الحرب المتواصلة على غزة، وأن طهران قد تتعامل بإيجابية مع أي خطوة غربية ترمي لذلك.

 

المدمرة الإيرانية "ألبرز" تدخل البحر الأحمر

وكانت وكالة "تسنيم" الإيرانية قد أفادت سابقا أن المدمرة "ألبرز"، ضمن الأسطول رقم 94 في القوات البحرية بالجيش الإيراني، عبرت مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر.

وأضافت الوكالة أن الأسطول الإيراني ينفذ مهام روتينية في المياه الدولية، لتأمين خطوط الملاحة، ومواجهة القرصنة البحرية، فضلا عن مهام أخرى، حسب الوكالة.

ومنذ مطلع عام 2009، بدأ الجيش الإيراني مهماته في المياه الحرة لتأمين خطوط الملاحة ومحاربة القراصنة وغيرها من المهام.

وعام 2019، انضمت المدمرة "ألبرز" إلى الأسطول الجنوبي لبحرية الجيش الإيراني بعد إجراء إصلاحات رئيسية وتركيب أنظمة تقنية جديدة.

وانضمت هذه المدمرة إلى الأسطول البحري في مدينة بندر عباس بمحافظة هرمزكان جنوبي إيران عام 1972، وتزن 1550 طنا وتبلغ سرعتها أكثر من 36 عقدة.