شمال غربي سوريا..
تقريرعربي: هل تدفع أنقرة لإضعاف تحرير الشام؟

ضمن الحلقة الضيقة حول زعيمها الجولاني
على الرغم من انحسار السيطرة الجغرافيّة للفصائل الجهادية والقاعدية، في إدلب ومحطيها شمال غربي سوريا، إلا أن مؤشّرات عديدة تؤكّد قدرة «هيئة تحرير الشام» التي تشكل «جبهة النصرة» عمودها الفقري، على إثبات حضورها، لاسيما مع استمرارها في تقديم نفسها على أنها الجسم العسكري والإداري الأقوى في المنطقة، وذلك وسط دور مباشر تمارسه في الاعتصام الشعبي على طريق الدولي «إم 4» وإجبارها للموظفين في الإدارات التابعة لها للانضمام إلى الاعتصام المستمر منذ أكثر من شهر.
وتهدف «الهيئة» من وراء الاعتصام المتواصل عرقلة أعمال الدوريات «التركية – الروسية» المشتركة على «إم 4»، وهو ما يجبر أنقرة على تغيير موقفها تجاهها، ويجعل قيادات «الهيئة» على قائمة الأهداف في المنطقة، ما ينذر بوجود عملية متدحرجة في مسارات تفكيك «تحرير الشام»، أو ربما عملية عسكرية محدودة قد تقودها تركيا ضدها.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، رصد أمس، دوي انفجار ضرب مدينة كفر تخاريم في ريف إدلب الشمالي الغربي، ناجم عن عبوة ناسفة انفجرت بسيارة تابعة للهيئة، ما أدى لمقتل «قاضي» بتحرير الشام وشخص آخر. كما عثر قبل أيام على جثة شخص مجهول الهوية، تمت تصفيته ضمن مناطق سيطرة الهيئة، وقتله عبر إطلاق النار عليه ورمي جثته في منطقة حارم شمال غرب إدلب.
«تفكيك الهيئة»
وتأتي عمليات الاغتيال في صفوف هيئة تحرير الشام، بعد توتر شهدته محافظة إدلب وصل إلى مرحلة متقدمة مطلع الأسبوع الجاري، بين الهيئة والجبهة الوطنية للتحرير المقرب من أنقرة، انتهى بإفراج تحرير الشام عن جميع من اعتقلتهم من «فيلق الشام والجبهة الوطنية للتحرير» بمن فيهم قيادي الفيلق، مقابل إطلاق الأخير سراح عناصر تحرير الشام الذين اعتقلهم خلال الأيام الأخيرة الفائتة، وذلك في محيط الاتوستراد الدولي اللاذقية – حلب.
وحسب مصادر متطابقة فإن حاجزاً عسكرياً لهيئة تحرير الشام اعتقل قيادياً في «فيلق الشام» الموالي لتركيا برفقة عدد من عناصره في محيط بلدة النيرب شرق إدلب، كما اعتقل حاجز عسكري آخر من «تحرير الشام» مجموعة من عناصر «الجبهة الوطنية للتحرير» أثناء ذهابهم إلى نقاط التماس مع قوات النظام في محور سراقب شرق إدلب، واحتجزت آلياتهم وأسلحتهم، وذلك في ظل تشديد تشهده الحواجز الأمنية التابعة للهيئة في عموم المناطق الخاضعة لسيطرتها في إدلب وريف حلب.
ومن خلال تحليل بيانات نشرها مركز «عمران للدراسات» يتبين أن، مناطق نفوذ «هيئة تحرير الشام» ضمن محافظة إدلب، سجّلت العدد الأكبر من عمليات الاغتيال مقارنة بمناطق «الجبهة الوطنية للتحرير»، سواء لناحية استهداف عناصرها أو استهداف المدنيين ضمن مناطق نفوذها، لافتاً إلى أن أغلب عمليات الاغتيال في مناطق نفوذ هيئة «تحرير الشام» تعد عمليات دقيقة سواء على مستوى استهداف قيادات الهيئة وعناصرها، وضلوع أطراف عدة في تلك العمليات، منها محليّة ودوليّة، أو على مستوى الشخصيات المدنية، والتي توجه في استهدافها اتهامات لأطراف عدة ، إضافة إلى اتهامات بضلوع الهيئة ببعض تلك العمليات.
وحول قراءة المشهد بخصوص الاغتيالات في مناطق المعارضة، يقول الخبير في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، إن ما يحدث من تطورات شمال غربي سوريا تحديداً بين الفصائل سواء كانت من الجبهة الوطنية للتحرير أو هيئة تحرير الشام أو بقية الفصائل الجهادية منها حراس الدين هو تصعيد واغتيالات وضغوط كبيرة وسط وجود انشقاقات واستقالات مهمة.
وحسب رؤية المتحدث لـ»القدس العربي» فإن كل هذا جاء بعد تداعيات تقدم روسيا وجيش النظام في إدلب، على اعتبار أن تركيا لم تلتزم بما جاء في اتفاقيات «سوتشي» و»أستانة» التي تنص على التخلص من هيئة تحرير الشام أو تفكيكها باعتبارها حركة إرهابية. ومن المعروف أنه لم يكن لدى تركيا الرغبة الحقيقية في تفكيك الهيئة، لعدم وجود ضمانات من قبل روسيا والنظام بوجود عملية سياسية أو دستورية، وهذا ما كان ينعكس على العلاقات بين الطرفين.
لكن الأمور الآن أصبحت أكثر جدية، فلم يعد الأمر يحتمل التأجيل بأي طريقة وأصبحت تركيا تسابق الزمن لإحداث واقع جديد في إدلب، ومن هنا أشار المتحدث إلى ما قاله «أبو فتح الفرغلي الذي سرب إلى الإعلام، حيث لفت إلى أن العلاقات مع تركيا لم تعد كما في السابق عندما أنشأت الأخيرة نقاط المراقبة بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام بينما الآن الجيش التركي يدخل ويخرج بدون أي تنسيق مع الهيئة وهذا يدل على أن العلاقات بين الطرفين أصبحت تتسم بالقطيعة».
وتحاول تركيا الآن أن تدفع بالاتجاهات الأكثر اعتدالاً للانفصال وإضعاف الحلقة الضيقة المحيطة بالجولاني مثل «عطون وأبو ماريا القحطاني» وغيرهما حسب ما يقول الخبير حسن أبو هنية الذي يرى أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تصاعداً في عمليات الاعتقالات والاغتيالات والعمليات الأمنية بين هذه الفصائل جميعاً، فيما يحاول الجولاني أن يثبت أنه لا زال الرقم الصعب «وأن يغري الأتراك بعملية ما، إلا أن عملية الاندماج أو العمل بسياق المراحل السابقة التي كانت تهدف إلى الإبقاء على القيادية العسكرية للهيئة والمفاصل الأساسية بيدها، باتت أمراً غير متاح حالياً» ولا يمكن أن تقبل به تركيا الآن.
الموقف التركي
تغير الموقف التركي يعود إلى ضعف موقف أنقرة أمام الروس، إذ أن الأخيرة «لا تستطيع أن تسوف للروس وبذلك أصبحت عملية إبقاء هيئة تحرير الشام مكلفة للجميع». واعتقد الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، أن هناك عملية متدحرجة في مسارات تفكيك الهيئة ستتدحرج شيئاً فشيئاً مع أزمة كورونا حيث ينشغل العالم بهذا الملف، فبعدما كانت الأمور تسير ببطء، فإننا «ربما نشهد خلال الأسابيع القادمة عمليات أكثر تسريعاً في محاولة تفكيك الهيئة وربما نشهد عملية عسكرية محدودة» حسب رأيه.
لكن خبراء ومراقبين وجدوا بالربط بين حدوث مشكلة فض اعتصام «الكرامة» على الطريق الدولي، وبين توقيت الاغتيال الأخير أنه أمرٌ غير دقيق، عازين الأمر لـ»القدس العربي» إلى أن استهداف قياديٍّ في أي فصيل لا يتمّ عبر ليلة وضحاها، بل يسبقه الكثير من الإعداد والمراقبة.
وفي هذا الإطار يقول الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عربي إن محافظة إدلب شهدت العديد من عمليات الاغتيال في الشهور الأخيرة، وأبرزها كان اغتيال علاء العمر قائد لواء العباس في حركة أحرار الشام بالأسلوب ذاته الذي استهدف القاضي أبو بكر في هيئة تحرير الشام وكذلك حاول بعض المجهولين استهداف قيادي في جبهة ثوار سراقب بالرشاشات إلا أنه نجا من محاولة الاغتيال هذه، مبيناً، أن العمليّات ونوعيّة الأشخاص المستهدفين توضح لنا وجود احتمالات مختلفة لمنفذيها وأهدافها، وأبرز تلك الاحتمالات، هي العمليات المنفذة من قبل أجهزة مختلفة، وهذا أمر محتمل في ظل وجود خلايا ومتعاونين متخفّين مع النظام في المنطقة، إضافة إلى وجود احتمال يرتبط بالخلافات البينيّة بين الفصائل المحلية أو الفصائل الجهادية، لكنه أشار إلى «أن هذا الأمر عادة ما يُحلّ بين هذه الأطراف دون اللجوء للتصفية، ولا يوجد إشارات لتوتّرٍ قويٍّ بين الهيئة وبقية الأطراف».
إضافة إلى وجود خلايا لتنظيم الدولة أو لجهات متطرفة أخرى، فعلى الرغم من القبض على الكثير من عناصر التنظيم إلا أن هناك بعض الخلايا المرتبطة به لم يتمّ الكشف عنها حسب ما تفيد المعلومات الواردة. وأضاف عرابي أن عملية الاغتيال ربما ترتبط بعوامل مختلفة وليست مرتبطة بقضية التنظيمات الجهادية فقط، فقد تكون عملية الاغتيال بسبب اختلافات معينة بين شخصين أو أسرتين، أو بسبب خلافات بين فصائل مختلفة، وهذا داخل في المشهد الأمني عمومًا.
بالنسبة لفضّ اعتصام طريق «إم 4» لم يجزم المتحدث بأن هيئة تحرير الشام تخطط لمواجهة القوات التركية، إلا أنه أكد على دعم الهيئة عمليًّا للاعتصام، ومده بمقومات الاستمرار إذ أنها «تدفع موظفين في حكومة الإنقاذ التابعة لها للانضمام والمشاركة فيه».
وقال إن تطوّر الأمر مع الهيئة مردّه أمور عديدة كضمان مكاسب معيّنة في تفاوضها مع الأتراك خاصة في ظل تراجع حضورها الشعبي، ولذا فإن التوتر الذي جرى أثناء الفض يتيح لها أن تستخدمه كهامش لإعادة بناء حضورها الشعبي، مضيفاً «ونلاحظ هنا أن موقف فيلق الشام كان متطوراً فهو لم يلتزم الحياد بل سجل حضوراً واضحاً في مشهد اليوم وإظهار نفسه شريكًا في تحركات الأتراك ومشاركتهم في الحضور الميداني وحماية الاتفاقات الدولية».