الأزمة الراهنة..

تقرير دولي: أزمة كورونا من ستخدم.. أردوغان أم منافسيه؟

باباجان وداود أوغلو يتصيدان الفرصة للإجهاز على أردوغان سياسيا

أنقرة

تزامن إطلاق رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو حزب “المستقبل” ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان حزب “الديمقراطية والتقدم” مع انتشار فايروس كورونا المستجدّ وتحوله إلى أزمة في تركيا بشكل عطّل دورة الحياة فيها وقام بترحيل السجالات السياسية إلى وقت لاحق. خفت البريق الذي صاحب انطلاق وتأسيس الحزبين بعد أن خيّمت أزمة كورونا، ما أثار تساؤلات لدى الشارع التركي عن مدى حظوظ كل من داود أوغلو وباباجان بمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهل ستخدم الأزمة أردوغان أم منافسيه.

ومن الأسئلة التي تثار أيضا حيال هذا الموضوع: هل هناك سوء حظّ ما صاحب إعلان باباجان وداود أوغلو لحزبيهما في هذه المرحلة؟ هل يمكنهما أن ينافسا أردوغان في ظلّ الظروف الراهنة؟ وهل تمّ تأجيل الصراع على السلطة واستقطاب الناخبين لحين الوصول لمرحلة تهدئة الأزمة الناجمة عن كورونا؟ وهل تراهما يترقّبان استمرار أردوغان في فشله بالتعاطي مع الأزمة لينتهزا الفرصة للإجهاز عليه سياسيا؟

فرضت أزمة كورونا نفسها كأولوية في السياسة التركية الداخلية والخارجية. وباتت محاربة الفايروس في صدارة المهمّات التي تنبري الحكومة والمعارضة على السواء لإيجاد حلول لها، بغية تخفيف تأثيراتها الحاّدة على المجتمع، وعلى اقتصاد البلاد الذي يئنّ تحت وطأة أزمة ضاغطة منذ أكثر من عامين.

ويكاد يغيب صوت كل من باباجان وداود أوغلو في أزمة كورونا، لاسيما أنّهما لم يتّخذا بعد أيّ مكان في المعارضة الرسمية، مع تحالف المعارضة الذي يضمّ كلا من حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح، كما أنّهما على خلاف وفي شقاق مع حزب أردوغان الذي انشقّا عنه، وينتظران انجلاء الأزمة ليعودا إلى الواجهة، ولربّما ليساهما في رسم خارطة جديدة لتحالفات المعارضة في المرحلة المقبلة.

لا يخفى أنّ الأزمة الراهنة ستلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة، ويمكن أن تعيد ترتيب التحالفات، وفقا لآليات التعاطي معها، ومدى ما يتمّ تحقيقه من مكاسب أو نجاح في تقليل الخسائر الاقتصادية والبشرية، ووضع الخطط والاستراتيجيات العملية لما بعد كورونا.

في استطلاع لمؤسسة ميتروبول في أكتوبر 2019، جاءت ثلاث شخصيات بارزة لها علاقات طويلة الأمد مع أردوغان لكنها انفصلت عن حزب العدالة والتنمية وهي الرئيس السابق عبدالله غول وعلي باباجان، الذي أطلق حزبه الشهر الماضي، وأحمد داود أوغلو، الذي أطلق حزبه في نوفمبر. ويكون السؤال كيف ستدخل هذه الشخصيات ميدان المنافسة في وقت يحاول أردوغان استغلال جميع الظروف لصالحه، ويعمل على سحب البساط من تحت أرجلها، وذلك من خلال إحالة أسباب الأزمات والمشاكل إلى عوالم خارجية، وبخاصة أزمة كورونا مؤخّرا، والتي قد تعجّل برحيله في حال أخفق بالتعامل معها، وهو ما يبدو أنّه يجري حتّى الآن.

ويشدّد أردوغان على أنّ تركيا تخوض حربا في مواجهة كورونا، بالإضافة إلى الحروب التي قام بتوريط البلاد فيها، وبخاصة في كل من سوريا وليبيا، ويعمل على جمع الأتراك من حوله وتحشيدهم لدعم سياساته عبر التأكيد على أنّ هناك أعداء يتربّصون بتركيا وشعبها، وهذه ورقته المتجدّدة التي يعيد توظيفها بين حين وآخر وفي كل منعطف يمرّ به.

وبينما يفضّل عبدالله غول مهادنة أردوغان وعدم الدخول في مواجهة مباشرة معه حتّى الآن، يحرص باباجان على التصريح أكثر عن تصوّراته وآرائه. ويؤكّد على الحريات. ويصف انتهاك الحقوق في تركيا بأنه يسبب المعاناة للشعب التركي، وذلك بحسب ما قاله لأنصاره بمناسبة تدشين حزبه الجديد الديمقراطية والتقدم (ديفا).

يراهن باباجان على تذكير الأتراك بالنجاحات الاقتصادية التي حقّقها حين كان وزيرا للاقتصاد في أول حكومة يشكّلها حزب العدالة والتنمية، وبعد ذلك، أصبح مستشارا لرئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد في الحكومات التالية لها.

وأعلن في الكلمة التي ألقاها بمناسبة تأسيس حزبه “لن نجعل من ديننا ومقدساتنا أداة سياسية. لن نسمح لاستخدام الدين وسيلة للدعاية السياسية”، وهو ما فهم منه على أنّه انتقاد مبطّن لاستغلال حكومة العدالة والتنمية للدين كأداة سياسية، ووسيلة دعائية يتمّ استغلالها لغايات انتخابية.

وبطريقة قريبة منه، فعل داود أوغلو الذي اتهم حكومة أردوغان بالمحاباة والمحسوبية وتقييد حريات مواطنيها، ويبدو أنّه يراهن على التأكيد على العقلانية التي عُرف بها، والتي يحاول تصديرها كركيزة للسياسية التركية التي يبشّر بها، داخليا وخارجيا، والتعامل والتخطيط على أساسها، ما من شأنه أن ينعكس على مختلف الجوانب، ويساهم بتخفيف حدّة الأزمات، والانسحاب التدريجي من الحروب التي ورّط أردوغان البلاد بها.

وفي الوقت الذي ارتفع عدد الوفيات بسبب فايروس كورونا في تركيا إلى 649 وعدد الحالات الإيجابية إلى 30 ألفا و217 شخصا، يحضر السؤال عن مدى قدرة حكومة أردوغان على التصدي للأزمة، وهي التي تأخّرت في اتّخاذ الإجراءات والتدابير الاحترازية لمنع تفشي الفايروس، بحسب المعارضة، وكذلك عن مدى إفادة خصومه من مأزقه في التعامل معها وتحجيم تداعياتها.

يعتقد بعض المحللين في تركيا أنّ أزمة كورونا قد تمنح فرصة لمراجعة نقدية للحزب الحاكم والأحزاب المعارضة له، وتفرض أجندة جديدة من شأنها تغيير خارطة السيطرة والنفوذ، وربّما تطيح بالتحالف الحاكم وتتسبّب بتشكيل تحالفات قد تتبلور على وقع الأزمة والخسائر التي تنجم عنها.