المتاجرة بالكوارث..

تقرير: الإخوان.. تاريخ من تسخير الأوبئة للنيل من النظام المصري

عداء للدولة لا يتوقف

عبدالجليل الشرنوبي

العداء التاريخي الذي تكنه جماعة الإخوان للدولة يمكن تلمسه من خلال محطات كثيرة، لم تر فيها الجماعة ضيرا في الخلط بين النظام والوطن، ولم تتردد في استغلال أي حدث أو صعوبة لضرب النظام الذي تعاديه. ولذلك لم يكن مستغربا أن تتسارع الحملات الإخوانية في مصر من أجل إشاعة حالة فزع جماعي لدى المواطنين من فايروس كورونا، ثم التشكيك في قدرة الدولة على تخطي الأزمات.

لا يمكن اعتبار استثمار جماعة الإخوان المسلمين لانتشار فايروس كورونا، بهدف الضغط على الدولة المصرية هو النموذج الأول لاستثمار التنظيم للكوارث والأزمات، فلقد كان كاتب هذه السطور قبل استقالته من التنظيم في مايو 2011، عضوا مختصا بالإعلام في لجنة الأزمة التي تشكلت في أعقاب انتشار فايرس أنفلونزا الطيور عام 2006، ثم أنفلونزا الخنازير في العام 2008، وكان يُشرف عليها أمين عام التنظيم وقتها محمود عزّت، ونائب المرشد الهارب حاليا، وللتاريخ فإن قدرتي على فهم حقيقة هذه اللجنة لم تكن واضحة وقتها، لأن عزّت لم يكن القيادي الذي يسعى لتصدر شأن عام، بل كان من حراس هيكل التنظيم الداخلي.

غير أن قراءة المشهد التنظيمي بعد الخروج منه، باتت تشير إلى أن الإخوان صدّروا أمين عام التنظيم بصفتين الأولى العلمية، أستاذ علم الكائنات الدقيقة والفايروسات، والثانية التنظيمية، بحيث تتيح له الأخيرة تحريك قواعد التنظيم الجغرافية والفنية لنشر الذعر وعدم الثقة في نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، بينما تُخول الصفة الأولى للتنظيم تقديم نفسه للغرب والخارج باعتباره يملك من الجهوزية لإدارة الأزمات ما لا تملكه الدولة المصرية.

لهذا كان التكليف التنظيمي الموجه هو تخصيص قسم على موقع التنظيم الرسمي الذي كنت رئيسا لتحريره لاستقبال التجارب والاقتراحات، بحيث يتم تجميعها وتصنيفها إلى أقسام.وتم تعميم الإجراء وقتها على كل مواقع التنظيم الفرعية بالمحافظات، وكذا بمكاتب نواب الإخوان في برلمان عام 2005، والذين بلغ عددهم 88 عضوا، وتعقب ذلك عملية تجميع مركزية للمعلومات والبيانات الواردة من كل الجمهورية، ورفعها إلى لجنة الأزمة التي يديرها محمود عزت، ويتشارك في عضويتها عدد من أعضاء مكتب الإرشاد.

لقد كُلفت من إدارة التنظيم بالإعداد لعدد من المؤتمرات الصحافية، كان أولها في أحد أكبر فنادق القاهرة المطلة على النيل، في حين تقرر أن يكون الثاني بمقر مكتب الإرشاد بالمنيل في 6 مارس 2006، بعدما تنبهت السلطات الأمنية متأخرا لخطورة المؤتمر الأول.

فضح خطاب المتحدثين هدف الإخوان من المتاجرة بالكوارث التي يمكن أن تهدد مصر، وتحويلها إلى موسم رواج تنظيمي تؤكد الجماعة عبره حضورها وتبث سموم الفتنة بين جموع المواطنين، وهو ما عبّرت عنه إبان أزمة أنفلونزا الطيور، كلمة القيادي سامي طه عضو مجلس نقابة الأطباء البيطريين، والتي اتهم فيها الحكومة بأنها ارتكبت العديد من الأخطاء في التعامل مع كارثة مرض أنفلونزا الطيور في البلاد.

أكد الإخوان أن الجهود التي بذلها قطاع البيطرة داخل الإخوان والمؤسسات الاجتماعية الأخرى تفوق ما قامت به الدولة والمواطنون لاحتواء آثار هذا المرض.

حرصت قيادات التنظيم في مؤتمرها بمقر مكتب الإرشاد بمنيل الروضة يوم 6 مارس 2006، على إبراز دعم الشعب في مواجهة الكوارث التي لا تعبأ بها الحكومة، وهو ما كان سببا في بطش النظام بها.

تؤكد هذه النماذج أن خطاب الفزع التنظيمي، قادر حال تكامل حركة أذرعه الإعلامية العامة مع القاعدة المجتمعية على إشاعة حالة من الفزع العام لدى عموم المواطنين، وتتعانق معها خطابات تسفيه لقدرات الإدارة على مواجهة الكوارث.

استبق الإخوان تسليط الضوء على فايروس كورونا، إذ شهد شهر مايو من العام 2014، حملة تنظيمية تؤكد انتشار المرض في مصر، كان ذلك بالتزامن مع الإعلان عن الاشتباه في حالات إصابة بكورونا في السعودية، وهو ما ارتآه التنظيم وقتها فرصة مواتية للنيل من نظامي الحكم في القاهرة والرياض، الأمر الذي حمل تكليفا إلى وسائل الإعلام التنظيمية الرسمية واللجان الإلكترونية المنتشرة في شعب التنظيم بالقطر المصري، يطالبها بالتسويق لانتشار المرض في مصر وسط تكتم شديد، وكان الهدف نشر الفزع باسم كورونا قبيل تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيسا للجمهورية.

بدأت حملة الإخوان بالمنطقة المركزية القاهرة، عبر ما عنوانه “إصابة طباخ بفندق شهير على النيل بفايروس كورونا”، ما يسوق لمخاطر الوباء المحتمل، ويمثّل رسالة تحذيرية لقطاع السياحة الذي كان يعاني كسادا كبيرا حينها، وما يؤكد ذلك محطة الشائعات التالية.

الآن عادت الآلة الإعلامية التابعة للإخوان لتروّج على نطاق واسع لانتشار الوباء في مصر، مستغلة بعض الأرقام المغلوطة التي نشرتها بعض الصحف الغربية، ومتجاهلة تماما الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة المصرية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية.

بعد مرور ست سنوات على الحملة الأولى، عاود كورونا الظهور في الصين، وتصاعدت حالة الاستنفار العالمي في مواجهته مع توالي الأخبار عن الوفيات في دول مختلفة، واشتباه بإصابات أو حسم له في عدد من دول العالم، الأمر الذي دفع الإخوان إلى إعادة فتح ملف استثمار الأوبئة من جديد، ليكونوا أوّل من يعلن عن وصوله إلى مصر، مع التأكيد أن ذلك يتم وسط تكتم إعلامي ورسمي عالي المستوى.

تؤكد المصادر التنظيمية أنه، وبمجرد بدء انتشار فايروس كورونا، دشن التنظيم الإخواني حملة ظاهرها مواجهة خطر تفشي الوباء، وباطنها استثمار الحدث بهدف إحداث خلخلة في صفوف المواطنين، وكسر حاجز الثقة في إدارة الدولة، ولا يتوقف استثمار تفشي الوباء عالميا عند حدود مصر، بل تجاوزها إلى استهداف مباشر للدول ذات الخصومة المباشرة مع التنظيم.

التنظيم الإخواني دشن حملة ظاهرها مواجهة خطر الوباء، وباطنها استثمار الحدث بهدف كسر حاجز الثقة في إدارة الدولة

أما بخصوص مصر، فبحسب المصادر التي تحدثت مع كاتب هذه السطور، وضع التنظيم إطارا عاما حاكما لاستخدام فايروس كورونا، كسلاح إعلامي ضاغط على وعي المواطنين، وكونه أداة للتشكيك في قدرة الدولة على مواجهة الأخطار المتوقعة حال تفشي الفايروس، وتوصي الحملة التنظيمية بأن يتم الربط بين تتابع الأوبئة وانتشارها وبين تصرفات الحكومة.

تشير المعلومات إلى أن التنظيم الإخواني يدير حملاته لنشر الفزع باسم كورونا متجاوزا أذرعه الإعلامية التقليدية، إذ عممت المكاتب الإدارية للمحافظات المصرية تكليفا على كل الشُعب، والشعبة هي أصغر وحدة جغرافية بالتنظيم وتماثل الحي في التقسيمات الإدارية، ويطالب التكليف التنظيمي بتشكيل فريقين للسوشيال ميديا بكل شعبة لا يقل عن 5 إخوة مع 5 أخوات للعمل بالمضامين اليومية.

ما يعني أن أصغر وحدات التنظيم الجغرافية بدأت في تشكيل فريقين من الذكور والإناث عددهما الأدنى 10 عناصر، بينما يمكن أن يزيد ليستوعب كل أعضاء الوحدات التنظيمية، وتصلهم عبر البريد الإلكتروني مضامين صاغها التنظيم، ليقوم كل فريق بتسويقها في نطاقه الإلكتروني.

ولا يتوقف هذا التسويق عند حد الفعل الإلكتروني، إذ تؤكد خطة الحملة الإخوانية ضرورة أن يتم الربط بين التسويق لمضامين الحملة الخاصة باستثمار انتشار فايروس كورونا، وبين الفساد والتخلف في مصر.

وتتم متابعة الأرقام المتزايدة عبر جدول أسبوعي للتأكد من تنفيذ القواعد التنظيمية، وعادة ما تكون دوائره هي الدوائر الطبيعية لحركة الأعضاء، فيما يركز التنظيم على الحوار المباشر والتفصيلي أسبوعيا مع عشرة أفراد من عموم المئة الذين تم استهدافهم وتفاعلوا مع حوار العضو التنظيمي، ليتم ترقيتهم إلى “الربط العام”، والمقصود بهم من تلقوا الأفكار التنظيمية وتفاعلوا معها، ويمكن تطوير العلاقة معهم ليخضعوا تدريجيا لبرامج التجنيد.