رئاسيات نوفمبر 2020..
تقرير دولي: ماهي أهمية الشرق الأوسط في الانتخابات الأميركية؟

سلام الكورونا
سيطرت مواجهة وباء كورونا المستجدّ على أول مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الديمقراطيين لمواجهة دونالد ترامب في رئاسيات نوفمبر 2020. ووجّه المرشّحان جو بايدن وبيرني ساندرز لبعضهما انتقادات حول خياراتهما السياسية السابقة، إلا أنهما توحّدا لمهاجمة طريقة إدارة الرئيس دونالد ترامب في مواجهة وباء كورونا المستجد، كما في بعض نقاط سياساته الخارجية.
مع تركيز المتابعين في الولايات المتحدة على تفشي فايروس كورونا بدلا من متابعة بعض الأحداث التقليدية، جاءت أول مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الديمقراطيين جو بايدن وبيرني ساندرز، لتمثل لحظة وضوح للأميركيين لمشاهدة آخر رجلين عن قرب يريدان أن يكونا بديلا لدونالد ترامب ترامب في نوفمبر القادم.
لم تحز المناظرة فقط على اهتمام الأميركيين، بل تابعها كثيرون في مختلف أنحاء العالم. فالانتخابات الأميركية ليست شأنا داخليا فقط، بل هي حدث عالمي نتيجته ستؤثر على خارطة العالم واستراتيجياته وتوجهاته. وتأتي منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي في قلب هذه الخارطة، خاصة وأن السياسة الخارجية للمرشحين تركز على التدخلات الأميركية في العراق وسوريا والعلاقة مع إيران والسعودية.
ويركز الباحث الأميركي في السياسات الدولية جيمس دورسي، في تحليل له، على توجهات ساندرز وبايدن تجاه الخليج العربي، لافتا إلى أنه بصرف النظر عمّن سيفوز في الانتخابات التمهيدية والانتخابات عموما، هناك شيء واحد مؤكد وهو أن الرئيس الأميركي المقبل سيتولى أمر التغييرات الأساسية في الالتزام العسكري الأميركي بالخليج وكيف ستبدو البنية الأمنية الإقليمية الجديدة.
ويقول مارتن إنديك، السفير الأسبق للولايات المتحدة في إسرائيل، من الصعوبة دائما التكهّن بالقضايا التي ستبرز حالما تنتهي المجاميع الانتخابية ويبدأ السباق التنافسي في يوليو. على سبيل المثال، قد تُهيمن تأثيرات فايروس كورونا على النقاش فيبهُت أمامها وهج القضايا الأخرى مع ذلك، الشرق الأوسط يلعب بالفعل دورا وازنا هذا العام أكثر من أي وقت مضى.
السياسة الخارجية
تسبب بايدن في انزعاج دول الشرق الأوسط ومن المتوقع أن يقترب أكثر من نهج أوباما. كما أثار ساندرز بعض القلق في السعودية وإسرائيل بعد أن وعد من خلال حملته بإعادة الانضمام إلى الاتفاقية النووية في اليوم الأول من رئاسته على الرغم من أن إعادة الانضمام، من الناحية النظرية، يمكن أن تسهل تحقيق نوع من التفاهم الإقليمي غير العدواني.
ومثل هذا التفاهم يقع في صميم المقترحات الروسية والإيرانية لعمل ترتيب متعدد الأطراف من شأنه أن يدمج مظلة الدفاع الأميركية الحالية التي تم تصميمها لحماية دول الخليج المحافظة ضد إيران.
وهنا يقول جيمس دورسي إنه من المرجح أن يشرف على التحول الأساسي في سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج وبقية الشرق الأوسط منذ عقود.
ويلفت دورسي إلى أنه حتى إذا فشل ساندرز، الذي كان يشغل لفترة طويلة منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في أن يصبح المرشح الديمقراطي في انتخابات نوفمبر، أو خسر أمام ترامب، فمن المؤكد أنه سيوجه تفكيره في صميم سياسة الإدارة المقبلة، مما يعكس اتجاها أوسع في المواقف الأميركية تجاه التعاقدات الأجنبية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص.
من المرجح أن يكون المشهد المتغير مدفوعا برغبة الولايات المتحدة في تقليل التزامها العسكري وتذليل الشكوك الخليجية بشأن موثوقية الولايات المتحدة، وهي الشكوك التي بدأت بدعم الرئيس الأميركي باراك أوباما للثورات العربية الشعبية لعام 2011 واتفاقه النووي مع إيران، وتعززت لاحقا بسبب عدم قدرة ترامب على التنبؤ ورفض الرد بقوة على العديد من الاستفزازات الإيرانية، بما في ذلك هجوم سبتمبر الماضي على منشأتين سعوديتين رئيسيتين للنفط.
واعتبرت دول الخليج تصفية رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في يناير، بمثابة الترحيب بإخراج خصم خبيث ومراوغ، ولكنها اعتبرت هذه الحادثة كذلك بمثابة عملية تخاطر بسحب المنطقة إلى حرب شاملة. وأثار ترامب المزيد من التساؤلات حول إصراره على أن انسحابه من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كبح البرنامج النووي الإيراني وحملة الضغط القصوى التي تفرضها العقوبات سيؤديان إلى إظهار نتائج. ولكن كنتيجة لذلك، يبدو أن التحرك نحو إقامة هيكل أمني متعدد الأطراف يجذب دول الخليج نظرا لحالة عدم اليقين الإقليمي بشأن نتيجة الانتخابات الأميركية وحقيقة أنه لا الصين ولا روسيا راغبتان أو قادرتان بمفردهما على استبدال الولايات المتحدة كضامن أمني في الخليج.
وتعتمد الدرجة التي تعتزم بها نية ساندرز لإحياء الاتفاقية مع إيران والتي من الممكن أن تسهل التوصل إلى اتفاقية أوسع أو تعقد الانتقال إلى ترتيب متعدد الأطراف، على ما إذا كانت إسرائيل والقوى الخليجية المعارضة لإيران ستستجيب لسياسات ساندرز.
إلى جانب الملف النووي مع إيران، تطرح ملفات أخرى على طاولة السياسة الخارجية الأميركية، على غرار الانسحاب العسكري الأميركي من الخليج والعراق، والحرب في اليمن، والوضع في ليبيا وسوريا، وهي كلها ملفات يتوقع الخبراء، في كل الحالات ومهما كانت النتيجة، أنها ستؤدي إلى هندسة أمنية متجددة.
كورونا تقلب المشهد
سيطرت أزمة فايروس كورونا على الأجواء بدءا من خطاب المرشحين السبعينيين، كما حضورهما، حيث واجه بايدن وساندرز بعضهما البعض على منصتين واتخذا بعدا عن بعضهما البعض بمقدار 6 أقدام (1.83 متر) تماشيا مع توصيات خبراء الصحة. وتم منع الجمهور من الحضور ولم يتصافح المرشحان.
وإذ هاجما بعضهما بسبب مواقفهما السابقة بشأن مواضيع عدة، من الأسلحة النارية وخطة إنقاذ المصارف واسعة النطاق عام 2008 إلى الحرب في العراق، فقد التزما بجبهة مشتركة مقابل الرئيس الجمهوري. وقال بايدن، وهو الأكثر حظا للفوز، “لدينا خلاف جوهري مع الرئيس…. علينا أن نهزم دونالد
ترامب”.
واعتبر بايدن أنّه من الضروري إعلان “الحرب” على فايروس كورونا المستجدّ و”القيام بما هو أكثر بكثير ممّا فعله” ترامب. وقال نائب الرئيس الأميركي السابق أنه لو كان محلّ ترامب “لكنتُ لجأتُ إلى الجيش على الفور. الجيش لديه القدرة على بناء مستشفيات بسعة 500 سرير تحتاجها” البلاد. من جهته، اتّهم ساندرز الملياردير الجمهوري بأنه “يُقوّض” عمل الخبراء. وقال السيناتور الاشتراكي “علينا إسكات هذا الرئيس الآن”. وأضاف “من غير المقبول سماعه يثرثر بما ينافي الواقع”.
الرئيس الأميركي المقبل سيتولى أمر التغييرات الأساسية في الالتزام العسكري الأميركي في الخليج وإعادة هندسة البنية الأمنية الإقليمية
أعطت المناظرة الأولى بين المرشحين الديمقراطيين لمحة عن المرشح الأقرب لمواجهة ترامب في نوفمبر 2020، وهو جو بايدن. أثناء حملته الانتخابية للرئاسة، غالبا ما يفشل نهج جو بايدن المعتدل في جذب الناخبين الأكثر حماسة لحزبه. ولكن في مرحلة المناظرة كشف بايدن، الذي اعتمد على تجربته كنائب للرئيس، عن براغماتية بطرق تؤكد لماذا أصبح المرشح الأول للحزب الديمقراطي.
حدّد ساندرز، وهو مناظر متمرس حتى الآن، خطته الخاصة لمكافحة فايروس كورونا، والتي تضمنت دعوة لزيادة عدد أجهزة التهوئة ووحدات العناية المركزة في المستشفيات. لكنه فعل أيضًا ما فعله من أجل حياته السياسية الطويلة: لقد ركز على مخاوفه حول الرعاية الصحية والأنظمة الاقتصادية في البلاد وحاول تأطير الأزمة الحالية كدليل إضافي على الحاجة إلى تطبيق خطته “ميدي كير فور أول”.
المثابرة والاستدامة من أهم العوامل التي تميّز ساندرز، ولكن في انتخابات تحول مسارها بفضل انتشار وباء غير متوقع، فإن المثابرة لها حدود أيضا.