الشاكلة الإيرانية..
تقرير: كيف حول الحوثي مناطق سيطرتهم إلى "دولة متشدّدة"؟

تطل برأسها في مناطق سيطرتها
ارتباط جماعة الحوثي بإيران يتجاوز الجوانب المادية والعسكرية إلى النواحي الأيديولوجية والسياسية، حيث تبدو الجماعة منبهرة بنموذج الدولة الدينية في إيران وطامحة إلى استنساخها في مناطق سيطرتها في اليمن وإجراء تعاليمها المتشدّدة دينيا والمتعصّبة طائفيا على السكّان المصدومين من التجاوزات الخطرة على أعرافهم الاجتماعية وموروثهم القَبَلي الراسخ.
انتقلت جماعة الحوثي المتمرّدة في اليمن من مجرّد بسط سيطرتها على الأرض في عدد من مناطق البلاد، إلى فرض تعاليمها على السكان في ما بدا أنّه عملية تهيئة لإرساء دولة متشدّدة دينيا ومتعصبّة طائفيا مستوحاة من نموذج “الجمهورية الإسلامية” في إيران الداعمة للجماعة بالمال والسلاح.
وورد في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أنّ عناصر الجماعة يداهمون المقاهي التي تستقبل النساء في العاصمة صنعاء ويأمرون بإغلاقها دون سابق إنذار وذلك في إطار حملة لفرض قواعد اجتماعية صارمة في مناطق سيطرة المتمردين.
وقام الحوثيون خلال الأشهر الأخيرة بإغلاق مطاعم يختلط فيها الرجال والنساء، بينما بدأ التدقيق بقصّات الشعر لدى الشبان، وتم تسيير دوريات في مجمّعات مدرسيّة وجامعيّة للتأكّد من التزام الطلاب بملابس معيّنة.
ونفّذت هذه الحملة من دون قرارات رسمية صادرة عن السلطة السياسية للمتمردين باستثناء بعض الحالات وبينها الطلب، عبر رسالة صادرة عن جهة حكومية، من منظمات إنسانية محلية التقيّد بإجراءات معيّنة في هذا الإطار.
ودعت الرسالة إلى “استبعاد جميع الأنشطة التي تهدف إلى إثارة الضحك والمرح والترفيه وإذابة الفواصل وتلاشي موانع الحياء بين النساء والرجال”. وأضافت “هذا يتنافى تماما مع تعاليم الدين الإسلامي وأخلاقيات المجتمع اليمني”.
وتدور الحرب في اليمن منذ 2014 بين المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران، والقوات الموالية لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.
وتسبّب النزاع بمقتل وإصابة عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من المدنيين بحسب منظمات إنسانية. وبالإضافة إلى ضحايا النزاع، لا يزال هناك 3.3 مليون نازح، فيما يحتاج 24.1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى المساعدة، بحسب الأمم المتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حاليا.
وقالت ندوى الدوسري الخبيرة والباحثة في شؤون القبائل اليمنية إنّ الوضع في مناطق سيطرة المتمردين “يزداد تشدداّ”، متحدّثة عن مضايقات ضد النساء.
ورأت أنّ هذه الحوادث “مثيرة للصدمة في المجتمع اليمني، حيث أن انتقاد ملابس الأشخاص وتصرفاتهم شيء، والقيام بمضايقتهم على خلفية ذلك شيء آخر”، معتبرة أنّ “هذا يتنافى مع قيمنا القبلية”.
ولطالما تمتّع اليمنيون بمساحة من الحرية على الرغم من كون مجتمعهم محافظا، حيث كانت تقام مناسبات موسيقية مختلطة وفعاليات ترفيهية.
وبحسب الباحث اليمني عادل الأحمدي، فإنّ جماعة الحوثي “حركة قائمة على منظومة من المفاهيم والعقائد الدينية.. انتقلت من مربع المظلوم إلى موقع المسيطر على مقاليد الحكم”.
ويتبع الحوثيون المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهيا من السنّة. ويطلق عليهم هذا الاسم تيمّنا بزعيمهم الروحي الراحل بدرالدين الحوثي ونجله حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية في 2004 خلال معارك بين الجانبين.
لكنّ اسمهم الرسمي حاليا هو “أنصار الله”، والذي يتضمن إحالة واضحة على “القدسية” على غرار الاسم الذي اختارته إيران قبل عقود من الزمن لأقوى ميليشيا تابعة لها في المنطقة “حزب الله” اللبناني وله أيضا معادله الذي يحمل نفس الاسم في العراق. وكان الكيان السياسي الأول الذي أسّسه الحوثيون هو “حركة الشباب المؤمن” في 1992 وكان قد انطلق كتجمع سياسي يندد بتهميش الزيديين.
ويقيم الحوثيون شبكة علاقات وتحالفات مع قبائل نافذة في شمال اليمن. كما استطاعوا التقرّب من المجتمع المدني مع مشاركتهم في حركة الاحتجاجات ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في 2011، قبل أن يصبحوا حلفاء له في 2014، ثم لينقلبوا عليه مجددا في نهاية 2017 ويقتلوه بعد اتهامه بخيانتهم.
وطوال سنوات الحرب، أثبت الحوثيون قوّتهم القتالية لكنّهم أظهروا كذلك تماسكا تنظيميا كبيرا وقدرة على الإمساك بمفاتيح المجتمع بقبضة من حديد حيث أنهم لم يواجهوا أيّ احتجاجات علنية كبرى منذ سيطرتهم على صنعاء باستثناء المعارك مع مؤيّدي صالح.
ورأى الأحمدي أنّ الحوثيين تحوّلوا مؤخرا إلى جماعة تدّعي حماية الدين والعادات والقيم، في بلد يُعتبر ملاذا لتنظيم القاعدة المتطرف، ومقرا رئيسيا لجماعات سياسية إسلامية، من أبرزها جماعة الإخوان المسلمين الممثلة بفرعها المحلّي حزب التجمّع اليمني للإصلاح.
وبحسب سكّان في صنعاء، فإنهم لاحظوا منذ نهاية 2019، في أعقاب فترة من الانتصارات العسكرية والخلافات مع منظمات تابعة للأمم المتحدة، تشدّدا اجتماعيا أكبر من قبل المتمردين وشراسة في فرض تعاليمهم بالقوّة على الأهالي.
ومن بين الحوادث التي وقعت مؤخّرا، قام عناصر من المتمردين بتمزيق قميص أحمر ارتداه أحد الشبان عشية عيد الحب في الـ13 من فبراير الماضي، بعدما كان اليمنيون يحتفلون بهذه المناسبة بالورود والحلوى.
وأفادت إدارة مقهى مختلط في صنعاء أنّ “مديرية الوحدة بأمانة العاصمة” قامت مؤخرا بإغلاقه “دون أيّ مسوغ أو إجراء قانوني”. وقالت إدارة المقهى في منشور “تمت المداهمة والتعامل مع رواد المقهى المتواجدين بطريقة غير لائقة من قبل موظفي المديرية الذين قاموا بإغلاق المبنى، وباشروا بالكتابة على البوابات الزجاجية الداخلية”.
وحقّق الحوثيون مؤخّرا تقدّما ميدانيا مهمّا وذلك بسيطرتهم على مدينة الحزم مقرّ محافظة الجوف بشمال شرق صنعاء. وبدأت الأنباء تتوارد عن قمعهم للسكان بشكل وصل حدّ القيام بإعدامات ميدانية لعدد من الأهالي بينهم كوادر من السلطة المحلّية.
وفي صنعاء التي يحتلّها المتمرّدون منذ خريف سنة 2014 أصدرت محكمة تابعة لهم قبل أيام أحكاما غيابية بالإعدام على خمسة وثلاثين برلمانيا، ومصادرة ممتلكاتهم بتهمة التعاون مع المملكة العربية السعودية القائدة للتحالف العربي.
وكان عدد كبير من نواب البرلمان اليمني قد غادروا العاصمة إثر سقوطها بيد جماعة الحوثي. ويقيم البعض منهم حاليا خارج اليمن أو في مناطق يمنية غير خاضعة للحوثيين.
ويتضمّن الحكم حجز أموال المحكوم عليهم الأمر الذي انتقدته مصادر يمنية معتبرة أن الاستيلاء على الأموال والممتلكات، هدف بحدّ ذاته لدى جماعة الحوثي التي لا توفّر أيّ وسيلة لجمع الأموال اللاّزمة لجهدها الحربي.
وتتواتر منذ سنوات التقارير الحقوقية عن أوضاع العدالة في مناطق سيطرة الحوثيين، متضمنة معلومات كثيرة عن “محاكمات” سريعة دون أيّ ضمانات تستهدف بشكل خاص المعارضين للجماعة، وحتى المشكوك في ولائهم لها.
وتتحدّث ذات التقارير عن أحكام بالغة القسوة تتراوح بين الإعدام والسجن مددا طويلة. كما تُظهر أوضاعا مزرية داخل السجون التي يديرها الحوثيون حيث تنعدم أدنى الحقوق وتُنتهك الحرمة الجسدية والنفسية للسجناء.
وترى الدوسري أنّ اليمن أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية بدأ يميل اجتماعيا نحو اعتماد النظام الإيراني المنغلق. وقالت “الحوثيون يؤسسون دولة بوليسية على غرار إيران”.