التحالف مع المتطرفين..

تقرير: كيف تكرر واشنطن تجربة الحرب ضد السوفييت مع الصين

احتفالات على طريقة طالبان باتفاق السلام

لندن

 بتوقيع الاتفاق مع حركة طالبان، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنجز وعدا آخر من وعوده الانتخابية، وهو يتطلع لولاية رئاسية مقبلة ثانية بعد أشهر، وتكون الولايات المتحدة قد فتحت صفحة جديدة كخطوة أولى نحو الهدف الأوسع المتمثل في الاستعداد لحرب مستقبلية محتملة مع الصين.

دخل ترامب مكتبه في يناير 2017 دون أي رغبة في استمرار المأزق الأفغاني. تم إقناعه، مع ذلك، في أغسطس 2017 بإضافة عدة آلاف من الجنود كجزء من إستراتيجية جديدة للمنطقة. وشملت الإستراتيجية تعيين زلماي خليل زاد، السفير الأميركي السابق في كابول، لقيادة المفاوضات مع طالبان التي أسفرت في النهاية عن صفقة، حولت طالبان إلى “حليف محتمل”.

خلال المفاوضات بين طالبان والأميركيين تردد صدى سؤال: هل يمكن أن تحاور واشنطن من وصفتهم بـ”المتطرّفين”، وتورطت عسكريا لإنهاء سلطتهم؟ ليأتي الرد الأميركي، بعد حوالي 19 عاما من المواجهة المسلحة، بالإيجاب. “تصالحت” الولايات المتحدة مع طالبان، واتفقت معها، حين تقاطعت مصالحها مع مصالح الحركة المتشددة، التي تنسب تقارير استخباراتية نشأتها إلى تعاون بين المخابرات الباكستانية ونظيرتها الأميركية إبان الحرب الأفغانية السوفييتية.

بعد التغييرات الطارئة على أفغانستان بعد خروج السوفييت، احتاج الأميركيون لطالبان لضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها. ورغبت واشنطن في تشديد الحصار على النفوذ الإيراني ومنعه من التوغل تجاه الشرق وبخاصة في جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين. لذلك تمنع الولايات المتحدة تقدم طالبان إلا بعد أن أظهرت الأخيرة تمرّدا يهدد مصالحها.

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، أطلقت الولايات المتحدة عملية “الحرية الدائمة” للإطاحة بسلطة حركة طالبان، والقبض على قادتها وقادة تنظيم القاعدة، وتفكيك جميع القواعد والشبكات الإرهابية الجهادية في المنطقة. وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) انتهاء مهمتهما القتالية رسميا سنة 2014، بقيت القوتان هناك لشن ضربات ضد داعش وطالبان وتدريب وبناء الجيش الأفغاني.

 

رغم التحذيرات من أنه لا يمكن الوثوق بحركة طالبان عند التحدث عن السلام، لأنه من المرجح أن تكرر ما فعلته بعد محادثات السلام السابقة. فعندما انسحب الاتحاد السوفييتي من البلاد في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لم تحافظ الجماعة على جانبها من اتفاق السلام، إلا أن صقور البنتاغون يرون أن الظرف يقتضي تلك المصافحة التي تمت على مرأى ومسمع من العالم بين ممثلي الولايات المتحدة وحركة طالبان، حتى لو كان الأمر مجرد خطة لتتمكن الولايات المتحدة من الخروج من أفغانستان، واستراحة محارب من طالبان مع توسع الخارطة الجهادية في المنطقة وتجربة تهديد داعش لنفوذ الحركة في المنطقة.

تعتبر استراتيجية الأمن القومي الأميركية أن هناك حاجة لإذكاء الفوضى في تلك المنطقة ذات الحدود الإستراتيجية مع دول تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيمها، وتتصدر الصين هذه الدول، فيما لا تستثني الخطة إيران أيضا. لذلك، وبينما يرى منتقدون في اتفاق السلام بين طالبان وواشنطن استسلاما أميركيا، يرى فيه مؤيدوه انتقالا من مرحلة إلى أخرى تحتاج فيها السياسة الأميركية إلى سيناريو “الفوضى الخلاقة” في أفغانستان. ويمكن لهذا الاتفاق/الهدنة أن يتحول إلى حبر على ورق عندما تتغير المعطيات والحرب على الإرهاب ستبقى دائما الحجة الأقوى لعودة التدخل العسكري عند الضرورة.

يؤيد وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبير، هذا التوجه، وهو يرى أن الصين على وجه الخصوص تشكل تهديدا متزايدا للهيمنة الأميركية على الساحة العالمية. ويتطلع إلى أن يسبق الصين وروسيا بخطوة في ساحات القتال في المستقبل، بما في ذلك في مجال الفضاء وفي الجيل التالي من الأسلحة الإستراتيجية مثل الصواريخ فوق الصوتية والأسلحة النووية المتقدمة.

ومن أجل التحضير لتحدي الصين، يريد إسبير أن يبذل مجهودا أقل في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى. فهو لا يريد نقل القوات مباشرة إلى آسيا من أي مكان آخر في العالم، ويريد كذلك أن يقلل الالتزامات في المناطق ذات الأولوية الدنيا حتى يتسنى لمزيد من الوحدات العسكرية أن تتدرب معا في الولايات المتحدة على المهارات المتعلقة بالحرب التقليدية.

وكانت لدى السلف في البنتاغون آمال مماثلة، لكنهم تورطوا أكثر في أزمات الشرق الأوسط. وفي العام الماضي وحده، أرسلت الولايات المتحدة 20 ألف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط، ويرجع ذلك أساسا إلى المخاوف بشأن إيران.

وفي سياق تحليل كيف سيؤثر هذا الانسحاب على الحرب الأميركية ضد الصين، يقول المحلل السياسي الباكستاني، توم حسين، الصين لا تملك خططا لملء الفراغ السياسي في الجهة الجنوبية الغربية التي سيتم إخلاؤها بعد مغادرة القوات الأميركية، الأمر الذي قد يتسبب في فوضى تؤثر على خطط طريق الحرير.

كما يذهب إلى حد الحديث عن فوضى يمكن أن تسببها نزعة التشدد التي قد تطفو على المنطقة وتأثيرات ذلك على مسلحي الأويغور. ورغم ما تحمله الإستراتجية الأميركية ضد الصين من منطق، يشكك ستيفن بيدل، محلل السياسة وأستاذ الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، في أن البنتاغون سيكون قادرا على تنفيذ خطة الانسحاب والتحول الكامل عن أفغانستان وغيرها من المناطق الساخنة مثل العراق، مذكرا أن إدارة أوباما جربت نفس الشيء -أيضا مع وضع صعود الصين في الاعتبار- في الفترة بين 2011 و2014. وقال بيدل “المشكلة كانت أن تنظيم داعش ظهر على الساحة، في العراق وسوريا، وها هو عائد إلى التركيز على الشرق الأوسط والحروب الصغيرة”.

لم يضع البنتاغون علنا جدولا زمنيا دقيقا لتخفيض عدد القوات في أفغانستان، لكن إسبير قال إن اتفاق السلام الذي تم توقيعه، السبت، في الدوحة يؤدي إلى بدء سحب من إجمالي ما يقرب من 13 ألفا إلى حوالي 8600، على غرار العدد الذي ورثه ترامب عندما دخل البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات. لن يحدث التخفيض على الفور؛ سيتم تنفيذه على مدى عدة أشهر ويمكن أن يتباطأ أو يتوقف أو حتى ينعكس إذا ساءت عملية السلام.

ويثير انسحاب الولايات المتحدة، رغم أنه مشروط بامتثال طالبان للاتفاق، أسئلة ليست فقط حول استقرار البلاد ولكن أيضا عن احتمالات الاستمرار في مكافحة المتطرفين من غير طالبان مثل تنظيم القاعدة وداعش التابع له في أفغانستان.

ويضغط البعض في الكونغرس، بمن فيهم الجمهوري ليز تشيني من وايومنغ، على مسؤولي البنتاغون للتأكد من أنهم لن يتعاونوا أو يتعاونوا مع طالبان كشريك في مكافحة الإرهاب.

وقال تشيني إنه سيكون من “الجنون” أن يثق في طالبان التي كانت تدير أفغانستان وتؤوي القاعدة عندما غزت القوات الأميركية في أكتوبر 2001. وكجزء من الصفقة التي تم التفاوض عليها مع واشنطن، وعدت طالبان بعدم السماح لتنظيم القاعدة باستخدام البلاد كقاعدة انطلاق لمهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها.

وإذا نجحت عملية السلام وانتهت الولايات المتحدة بالانسحاب بالكامل، فقد تختار أن تكون قوة مكافحة للإرهاب “عن بعد”. وفي هذه الحالة، ستتمركز قوات العمليات الخاصة الأميركية في دولة أو أكثر من الدول المجاورة مثل أوزبكستان ومن ثم تتسلل إلى أفغانستان وتخرج منها عند الضرورة لمراقبة أو مهاجمة مقاتلي القاعدة أو تنظيم داعش.

-المصدر