مناورة بملف وهم التطبيع..

تقرير: "نتنياهو في وارسو".. دعاية انتخابية أم إنجاز فعلي؟

يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى دعم يميني قبل الانتخابات

واشنطن

ما الذي حدث في وارسو؟ سؤال قد يراود كثير من المتتبعين العرب، خصوصًا الفلسطينيين؛ فالمؤتمر كان محط جدل عالمي، ورفض واستنكار فلسطينيين، كونه يجمع لأول مرة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي مع وزراء ومسؤولين عرب، دون أي حضور للطرف الفلسطيني.

وفقًا لمراقبين، كان المؤتمر بالنسبة لنتنياهو بمثابة حملة انتخابية، سعى من خلالها إلى إظهار إنجاز التطبيع مع العرب، دون أي اعتبار للقضية الفلسطينية، كذلك حشد العالم ضد إيران. في الواقع، هنالك وجهات نظر ترى أن نتنياهو فشل في المحورين الاثنين، وقد يكون حقق بعض المكاسب.

 

لا نتائج ملموسة

لم يخرج المؤتمر بأي بيان مشترك حول إيران، كذلك عند مقارنة تصريحات نتنياهو حول التقدم في التطبيع مع العرب مع الواقع، فإن كثيرًا من التناقضات تبرز للعيان.

في موقع “تايمز أوف إسرائيل”، نشر الصحفي رفائيل أهرين -الذي رافق نتنياهو في زيارته إلى وارسو- مقالًا لخص فيه ميزان الربح والخسارة لتلك الزيارة.

وقال الصحفي في مقاله: “المؤتمر الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط الذي ذهب نتنياهو لحضوره إلى جانب مندوبي 60 دولة، بينهم وزراء خارجية دول عربية عدة، من أجل التركيز على الهدف المشترك المتعلق بمعالجة موضوع إيران وعدوانها، لم يخرج بأي نتائج ملموسة، بالرغم من تصريحات المشاركين المتكررة حول طهران كمصدر لعدم الاستقرار في المنطقة”.

وذكر الكاتب أنه لم يصدر في ختام المؤتمر أي بيان مشترك، مشيرًا إلى أن ذلك يعود إلى حقيقة أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لا تتشارك وجهة النظر ذاتها بشأن إيران. في الواقع، فإن النص الذي أصدره المنظمون الأمريكيون والبولنديون في النهاية لم يشر إلى إيران بتاتًا.

 

مواصلة المناورة بملف التطبيع

خلال السنوات الأخيرة، برز توجه في لغة خطاب نتنياهو يتمحور حول التطبيع مع العرب، إذ نصب نفسه كصاحب المبادرة الأوحد في الوصول للتطبيع مع العرب دون حل للقضية الفلسطينية.

ومرارًا، وعبر تصريحات متعددة بين فترة لأخرى، يلوح نتنياهو بهذا الملف في وجه منافسيه. وبينما تتحضر إسرائيل لانتخابات جديدة، وجد نتنياهو في مؤتمر وارسو فرصة ذهبية لإظهار معالم جديدة في التطبيع مع العرب.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن مقطع فيديو مسرب عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ظهر فيه وزراء خارجية 3 دول عربية خليجية “يدافعون عن إسرائيل” ويهاجمون إيران.

ويمثل الفيديو -الذي تقول وسائل إعلام إن مكتب نتنياهو أرسله لعدد من الصحفيين الإسرائيليين- جزءًا من حلقة نقاش مغلقة على هامش افتتاح مؤتمر الشرق الأوسط في وارسو ببولندا.

إلا أن ترويج نتنياهو لما يسميه استعداد العرب للتطبيع بمعزل عن القضية الفلسطينية، يبقى محط تشكيك، كون الواقع يختلف عما يصرح به نتنياهو؛ فالموقف الذي لا يزال معلنًا من الدول المحورية التي يروج نتنياهو لحدوث تطبيع معها، هو عدم إقامة علاقة مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية على أساس عادل، وفق بنود مبادرة السلام العربية.

رغم ذلك، استغل نتنياهو مؤتمر وارسو لادعاء نجاحه في التطبيع، وتسريب الفيديو وحذفه بعد نصف ساعة خير دليل على ذلك.

يقول الصحفي: “للمرة الأولى منذ سنوات عديدة، وافق مسؤولون كبار من الدول العربية على حضور مؤتمر دولي لمناقشة السلام في الشرق الأوسط حضرته إسرائيل أيضًا”.

وأضاف الصحفي الإسرائيلي أن نتنياهو سرعان ما توجه إلى الصحافة بحماسة بشأن تغيير هذا النهج، قائلًا إن المسؤولين العرب كانوا على دراية تامة بأنهم يُراقبون خلال تفاعلهم معه علنًا، لكنهم غير مهتمين كما في الماضي، وقال إن العشاء كان “نقطة تحول تاريخية” في العلاقات الإسرائيلية العربية.

مقابل ذلك، دعا الصحفي إلى عدم الإفراط في التفاؤل بشأن فرص التطبيع السريع بين إسرائيل والعرب، مشيرًا إلى أن وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، الذي جلس في قاعة المؤتمر إلى جانب نتنياهو وسمح له باستخدام ميكروفونه، سرعان ما وصف اختيار المقعد له بـ”الخطأ البروتوكولي يتحمل منظمو المؤتمر المسؤولية عنه”.

كذلك البحرين –وهي دولة يعتقد الكثير من الإسرائيليين أنها مستعدة للتحدث علانية عن العلاقات مع إسرائيل– حسب الكاتب، لم تستخدم المؤتمر كفرصة لإجراء أي تحرك دبلوماسي حقيقي، كما أن وزيرها تهرب من الإجابة عن السؤال عما إذا كانت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مسألة مستقبل قريب، وفقًا للصحفي الإسرائيلي.

ولفت المقال إلى أنه “في النهاية، باستثناء وزير الخارجية العُماني، ترك نتنياهو المؤتمر دون لقاء مصور مع أي من القادة العرب الذين يصرون على أنهم لم يعودوا يهتمون بعلاقات مع إسرائيل، سرًا أو علانية. كانت وارسو بالتأكيد خطوة إلى الأمام في التقارب البطيء لإسرائيل مع العالم العربي، لكن “البطء” هي الكلمة المفتاح هنا”.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل في سياق تقرير لقناة DW أن “هناك تناميًا للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية، ولكن هناك أيضًا قدرًا من التحفظ بالنظر للموقف الإسرائيلي من الحقوق الفلسطينية”.

وحتى الآن، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تمسك بخيط التطبيع رغم كل ما يشوبه من تناقضات، في محاولة لإيصال رسائل للفلسطينيين، بأن العرب تخلوا عنهم ولا مجال أمامهم سوى القبول بأنصاف الحلول المعروضة، وكذلك رسائل دعائية للداخل الإسرائيلي من طرف اليمين الحاكم منذ 10 سنوات.