"التجارب واحدة من أفغانستان الى اليمن"..

تحليل: حلفاء أمريكا والسعودية.. خفايا أسباب الانتكاسات العسكرية

تكريم القيادة العسكرية السعودية لوزير الدفاع اليمني محمد علي المقدشي اثار غضب اليمنيين - أرشيف

القسم السياسي

لم تمض سوى ثلاثة أيام من اعلان حركة طالبان المتطرفة السيطرة على كامل المدن الأفغانية بما فيها العاصمة كابول، حتى سارعت المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا عربا لمحاربة التدخل الإيراني في اليمن، لتكريم وزير الدفاع اليمني (الحلفاء المحليون)، قالت وسائل إعلام محلية في اليمن "ان التكريم جاء نظير دوره العسكري في قتال الحوثيين الموالين لإيران"؛ والذي يمارسون منذ نحو عاماً ضغطا عسكريا للسيطرة على مركز محافظة مأرب، المعقل الأخير لحلفاء الرياض في شمال اليمن.

والأحد الـ16 من (أغسطس آب) الجاري، أعلنت حركة طالبان المتطرفة سيطرة على كامل أفغانستان، عقب انهيار الجيش والحكومة برئاسة الرئيس اشرف غني الذي فر قبل يوم من سيطرة الحركة المتطرفة على العاصمة كابول.

ونقلت طائرة أمريكية مئات الأفغان الذين فروا من بلادهم الا ان البعض منهم سقط من السماء بعد ان فشل في الدخول الى داخل الطائرة الأمريكية، وقد اثار سقوط مواطنيين أفغان بينهم لاعب المنتخب الافغاني حالة من الغضب والحزن.

ويصور المشهد في أفغانستان تكرار لمشهد أخر حدث في اليمن، حين سيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة في الـ21 من (سبتمبر ايول) 2014م، وفرار الجنرال العسكري الاخواني علي محسن الأحمر إلى السعودية.

وتكررت الصور ذاته، حيث ظهر الحوثيون وهم في منازل قيادات اخوان اليمن، يلعبون ويرقصون ويمارسون السباحة في مسابح المنازل الفخمة، وهو ذات المشهد الذي تكرر في أفغانستان، "مقاتلو الحركة المتطرفة يرقصون ويحتفلون بالسيطرة على المباني الحكومية والخاصة ويلهون في حدائق الأطفال، قبل ان يقدموا على احراق العاب الأطفال بدعوى انها "حرام".

وامام الصور المتكررة لما حصل في اليمن وأفغانستان، تحاول صحيفة اليوم الثامن ان تقدم قراءة تحليلية لما تعتقد انه أوجه الشباب للأسباب التي أدت الى الانتكاسات العسكرية المتكررة في البلدين.

 

اليمن والانتكاسة العسكرية في مواجهة الحوثيين

 

في الـ25 من مارس (آذار) 2015م، أطلقت السعودية عملية عاصفة الحزم لمقارعة الحوثيين الموالين لإيران، الذين قرروا التوجه صوب الجنوب للسيطرة على خليج عدن وباب المندب وشريط بحر العرب، بعد ان سيطروا على كامل مدن الشمال اليمني بفعل امتناع جماعة الاخوان على مقاومة الحوثيين امتثالا لاتفاق تهدئة ابرم في صعدة منتصف العام 2014م، حين زار وفد من رئاسة الحزم الى جبل مران ولقاء زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي.

تقدم الحوثيون صوب الجنوب، فنفذت عشر دول عربية وإسلامية طلعات جوية ساهمت في دقيقتها الأولى القضاء بشكل كامل على القدرات العسكرية الجوية في صنعاء والتي كانت قد سقطت في قبضة الحوثيين الموالين لإيران.

كان الهدف من عاصفة الحزم منع الحوثيين من السيطرة على المياه الدولية ومضيق باب المندب، وقد ساهم عامل الجنوب في تحقيق الانتصار خلال أربعة أشهر من القتال الدامي.

اعتمد الجنوبيون في مقاومة الاجتياح اليمني الشمالي، على استراتيجية، تحرير الجنوب واستعادة دولته الوطنية على كامل ترابها، على اعتبار ان الاجتياح الجديد هو نسخة من الاجتياح الأول الذي تعرضت له بلادهم في صيف العام 1994م، والعامل الأخر اشراف القوات العسكرية وتسليح المقاومة الجنوبية في الإسراع بتحرير عدن ولحج وأبين وباب المندب وصولا إلى الساحل الغربي في الحديدة.

رغم تحرير الجنوب الا انه عمليات انتقامية تعرضت لها عدن من خلال شن هجمات إرهابية استهدفت حكومة خالد بحاح والقوات المسلحة الإماراتية في عدن، في أكتوبر (تشرين الأول) العام 2015م، لتشرف القوات الإماراتية على عملية أخرى تتمثل في مكافحة الإرهاب من خلال الاعتماد على تدريب قوات محلية "قوات المقاومة الجنوبية"، والبدء في معركة تطهير مدن الجنوب من الخلايا الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وداعش.

وعلى وقع الانتصارات المتلاحقة جنوبا، ووصول القوات الجنوبية الى عمق الشمال، الا ان القوات المحسوبة على الاخوان والمدعومة سعودياً فشلت في تحقيق أي تقدم يذكر، بل على العكس تمام تواصل الانتكاسات حتى أصبح الحوثيون على مقربة من السيطرة على مركز محافظة مأرب اليمنية (المعقل الأخير لإخوان اليمن).

ويمكن فهم أسباب الانتكاسة العسكرية لحلفاء السعودية في (اليمن الشمالي)، إلى عامل وحيد يتمثل في ان الحلفاء هم "الاخوان المسلمون"، الذين لديهم اتفاقية سابقة مع الحوثيين ساهمت تلك الاتفاقية في وصول الاذرع الإيرانية الى صنعاء دون مقاومة، ناهيك عن ان قيادة التنظيم بما فيها نائب الرئيس اليمني والجنرال العسكري علي محسن الأحمر، وزعيم تنظيم الاخوان محمد اليدومي ونائبه عبدالوهاب الآنسي ورجل الدين المتطرف عبدالمجيد الزنداني، ووزير الدفاع محمد علي المقدشي، بالإضافة الى رجل الاعمال الاخواني وصاحب اكبر استثمارات التنظيم الدولي، حميد الأحمر، جميعهم ينتمون الى "الزيدية اليمنية التي تتفرع منها جماعة الحوثي"، وجميع قادة الاخوان الزيود لا يرغبون بأن يتم هزيمة الحوثيين على الاطلاق.

كما لا يمكن اغفال الدور القطري في دعم الحوثيين منذ حروب صعدة الستة (2004 – 2009م)، ودور الدوحة في ادخالهم الى صنعاء دون قتال خلال انتفاضة (فبراير شباط) العام 2011م.

والدور القطري المؤثر على حلفاء السعودية الإخوان، ظهر بوضوح مع الازمة الخليجية والعربية مع الدوحة في العام 2017م، وهي الأزمة التي ساهمت بشكل او باخر في استعادة الحوثيين السيطرة على محافظة الجوف الاستراتيجية والحدودية مع السعودية بالإضافة الى فرضة نهم والاستحواذ على أسلحة سبعة الوية عسكرية كانت ترابط في فرضة نهم شرق صنعاء، وتلك الأسلحة مثلا دعما كبيرا للحوثيين في مواصلة القتال والعودة الى تفعيل جبهة ريف اب اليمنية شمال الضالع الجنوبية، وجبهة الساحل الغربي في الحديدة، ولكن رغم ذلك لم يستطع الحوثيون تحقيق أي اختراق في هذه الجبهات التي تقاتل فيها قوات جنوبية.

قدمت الدوحة منذ وقت مبكر (حروب صعدة الستة)، دعما كبيرا للحوثيين، تحت عنوان إعادة اعمار صعدة التي تدمرت بفعل الحرب الدائرة بين الأعوام 2004 و2009م، وهو الدعم الذي مكنهم من شراء الأسلحة والتدريب وشراء الولاءات القبلية والعسكرية وصولا الى الاستحواذ على كل اليمن.

وقاطعت مصر والامارات والسعودية والبحرين، قطر على خلفية تورطها في دعم الإرهاب والحوثيين لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية، قبل ان يتم توقيع وثيقة مصالحة في مطلع العام الجاري على هامش قمة العلاء في السعودية، لكن رغم تلك المصالحة الا ان الازمة بين المنامة وابوظبي والقاهرة، من طرف والدوحة من طرف أخر لا تزال في تصاعد في الخطاب السياسي والإعلامي الذي يبثه الاخوان المسلمون بتمويل قطري.

كما ان الفساد المالي وتحول الحرب في اليمن الى حرب استنزاف للسعودية ماليا وعسكرياً، الا انه لا يمكن إخفاء الفساد المالي لضباط في القوات العسكرية السعودية الذين تورطوا بصورة او بأخرى في استلام أموال من نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، مقابل بعض التسهيلات، وقد نشرت السعودية وثائق تثبت منح الأحمر مبالغ مالية لضباط سعوديين، الأمر الذي فتح الشهية امام القيادة العسكرية اليمنية في إطالة امد الحرب للحصول على المزيد من المكاسب المالية، وقد تحول الكثير من قادة الحرب الاخوان إلى مستثمرين للأموال التي حصلوا عليها من السعودية، في تركيا التي فتحت الباب على مصراعيه امام الاستثمار اليمني الاخواني.

وقد انشق الكثير من قادة الاخوان في التحالف مع السعودية، وأبرزهم الاخواني اليمني حمود المخلافي الذي لا يزال يقيم في سلطنة عمان ويمتلك مشاريع استثمارية في إسطنبول التركية.

ولم يقف الامر هنا، فالقيادات الإخوانية التي كانت تقيم في السعودية بدعوى انها تناصر التحالف العربي، غادرت بعد ست سنوات من الحرب الى تركيا التي أصبحت وجهة الاخوان التجارية والاستثمارية.

ورغم المعارضة الإخوانية للسعودية، الا ان الأخيرة مستمرة في تقديم الدعم المالي والعسكري حتى للشخصيات التي اتخذت مواقف عدائية تجاه الرياض، وأبرزهم عبدالعزيز جباري وعبدالملك المخلافي، ناهيك انها تمنح نائب هادي، الجنرال علي محسن الأحمر صلاحيات كبيرة تفوق صلاحيات الرئيس (الشرعي)، على الرغم من مواقفه العدائية تجاه المملكة التي سبق واتهمها بالسعي لاحتلال بلاده (اليمن).

وخلافا لذلك، تبدو علاقة السعودية مع الأطراف الجنوبية، فهي تناصب العداء بشكل مبطن للقوى الجنوبية التي لا تزال تصر على انها حليفة للرياض، فقد قطعت التمويل العسكري الذي كانت تقدمه للقوات الجنوبية، بما في ذلك القوات التي تقاتل الحوثيين في الساحل الغربي وشمال محافظة الضالع الجنوبية وفي جبهة مكيراس.

وتقول نخب سعودية ان بلادهم تدعم وحدة اليمن ضد من يقول أحدهم وهو سليمان العقيلي "انهم الانفصاليون الجنوبيون"، الذين يتهمها بالعمالة للحوثيين الموالية لإيران، على الرغم من ان الجماعة الأخيرة متهمة بالتورط في قتل قيادات جنوبية بارزة بقصف صاروخي، وهو القصف الذي لم يفعله الحوثيون مع مأرب، التي لا ظلت في مأمن من صواريخ صنعاء التي دائما ما تسقط في صحراء المحافظة النفطية دون ان توقع أي إصابات في صفوف قوات الاخوان.

 

 

الانتكاسة العسكرية في أفغانستان

 

الحرب في أفغانستان سُميت حركيًّا بين 2001–2014 عملية الحرية الباقية، ومن 2015 إلى الآن عملية حارس الحرية، عقب غزو الولايات المتحدة لأفغانستان في 7 أكتوبر 2001، حين نجحت هي وحلفاؤها في تنحية طالبان عن السلطة لحرمان القاعدة من اتخاذ مقر عملياتي آمن في أفغانستان.

 بعد تحقيق الأهداف الأولية، أَطلق تحالف من أكثر من 40 دولة (منها جميع دول حلف الناتو) مهمة أمنية في البلد. منذ ذلك الحين الحرب قائمة بين الولايات المتحدة وقوات الحكومة الأفغانية الحليفة وبين مقاتلي طالبان. وهي أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. (معلومات عن ويكيبيديا).

 (يوليو تموز) المنصرم، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريحات يؤكد فيه ان حركة طالبات التي يبلغ عدد مقاتليها 75 ألف، لن تتمكن من السيطرة على البلد في ظل وجود قوة عسكرية مدربة ومسلحة أمريكيا يقدر عددها بـ300 ألف جندي.

وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن في (مايو أيار) الماضي انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان، أعقب ذلك أكدت حكومة أفغانستان وحركة طالبان في مؤتمرات السلام والتسوية في طهران أن الحرب ليست الحل وأن الامور يجب أن تذهب للتسوية".

ومنذ (مايو آيار) الماضي بدأت حركة طالبات تسقط المدن الواحدة تلو الأخرى، وامام تلك الانتكاسات خرج الرئيس الأفغاني أشرف غني ليلقي اللوم على أمريكا لتدهور الوضع الأمني في أفغانستان.

 وفي يوم 15 أغسطس استطاعت حركة طالبان السيطرة على العاصمة كابل، وهرب في نفس اليوم الرئيس غني إلى طاجيكستان، وبرر هروبه أنه للحفاظ على الدماء، معلنا أن "طالبان انتصرت... وهي مسؤولة الآن عن شرف الحفاظ على بلادها".

السقوط السريع للمدن وانهيار القوات الأفغانية وتسليمها للعربات والمدرعات الأمريكية الحديثة لمسلحي طالبان، كشف عن هشاشة الجيش الذي جرى تأسيسه وخسرت عليه واشنطن الكثير لقتال حركة طالبان، فليس من المعقول ان ينهار جيش يفوق تعداد ثلاثة اضعاف مسلحي حركة طالبان المسلحة، وهو الجيش الذي جرى تأسيسه بتمويل يقدر بأكثر من مائة مليار دولار أمريكي.

لكن المشكلة التي واجهت الجيش الافغاني هي تلك التي واجهت الجيش اليمني في مأرب، فعلى الرغم من ان جيش مأرب وصل تعداده لأكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل، الا انه انهار في نهم والجوف وتخوم مأرب، امام مجموعة قليلة من مسلحي جماعة الحوثي الذين يقاتلون بطريقة حرب العصابات.

ويبدو ان سيناريو سقوط سبعة الوية عسكرية في فرضة نهم، هو ذاته الذي تكرر في أفغانستان، لكن يظل السبب واحد، يكمن في عدم وجود عقيدة قتالية لدى الجيشين اليمني والافغاني، فالأخير الذي يفترض انه يقاتل دفاعا عن أفغانستان، انجر وراء التمويل الأمريكي الذي كان يصل بكميات كبيرة.

ناهيك ان الحوثيين استطاعوا تسويق فكرة امام اليمنيين الشماليين انهم يحاربون إسرائيل وأمريكا، في حين انهم ينفذون الاجندة الإيرانية، في حين ان السعودية التي تقود تحالفا عربيا، لم تضع استراتيجية عسكرية للحرب وتركت الأمر لقيادات عسكرية انجرت وراء المال الذي يقدم كتمويل للحرب، الأمر الذي جعل قادة الجيش اليمني يفكرون في كيفية إطالة امد الحرب لاستمرار الدعم، وهو ذاته الفخ الذي وقع فيه الجيش الافغاني امام الدعم الأمريكي.

حاولت السعودية في أكثر من مرة إيقاف الدعم العسكري او تقليله لدفع الحلفاء المحليين في مأرب على القتال، لكن ذلك كان يقود الى انشقاق كتائب عسكرية وانضمامها الى الحوثيين في صنعاء، لمجرد ان الرياض أوقفت الدعم، وهو الأمر الذي تحول الى ابتزاز، "اما استمرار الدعم او الانضمام إلى الحوثيين".

اقرت وزارة الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية بانها أخفقت عملية البناء للجيش الافغاني، لكن السعودية إلى اليوم لم تكشف أسباب الإخفاق في مقارعة الحوثيين، أو حتى تقييم ست سنوات من الحرب دون أي نتائج تذكر.

ربما على القيادة العسكرية السعودية ان تخرج لمصارحة السعوديين واليمنيين عن أسباب الإخفاقات، فليس مبررا ان تخرج القيادة العسكرية المشتركة لتكرم وزير الدفاع اليمني محمد علي المقدشي، وهو الذي لم يحقق أي انتصار ضد الحوثيين (الزيود)، الأمر الذي دفع يمنيين الى توجيه تساؤلات للقيادة السعودية، حول الدافع من تكريم المقدشي، وهو التكريم الذي اثار غضبهم كثيراً، خاصة المشردين من الحرب الذين ينتظرون منذ سبع سنوات ان تنتصر "الشرعية" لكي يعودوا الى منازلهم، بدلا من تكريم قائد عسكري اثبتت سنوات الحرب فشله ان لم تكن عمالته للحوثيين، كما يقول اليمنيون.

-------------------------------------------------
قراءة تحليلية خاصة بصحيفة اليوم الثامن