حسن محمودي يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران: من الحرب إلى الانتفاضة، طريق الحرية

كإيراني، أحمل في قلبي نبض شعبٍ يناضل منذ عقود ضد الظلم والاستبداد. في يونيو 2025، تقف إيران على مفترق طرق تاريخي، حيث تتداخل أصوات الاحتجاجات الشعبية مع دوي القصف الخارجي، وتتعالى صرخات الحرية وسط أنقاض نظامٍ يتهاوى. لكن وسط هذا الزخم، يبرز سؤال ملحّ: ما السبيل لخلاص إيران؟ الحرب؟ المهادنة؟ أم ثمة حلّ ثالث يحمل بذور الأمل؟

منذ 31 مايو 2025، شلّ إضراب سائقي الشاحنات الاقتصاد الإيراني، حيث امتد إلى 130 مدينة، معبراً عن غضب شعبٍ سئم الفساد وسوء الإدارة. حصص الوقود تقلصت إلى 500 لتر شهرياً، وسعر الإطارات وصل إلى 5.5 ملايين تومان في السوق السوداء. التضامن الشعبي، من معلمين ومتقاعدين، جعل هذا الإضراب رمزاً للمقاومة، يكشف هشاشة نظامٍ عجز عن قمع إرادة شعبه.

في 13 يونيو، هزّت هجمات إسرائيلية منشآت إيران النووية، تلتها عملية أمريكية أُطلق عليها "مطرقة منتصف الليل" في 21 يونيو، دمرت ثلاث منشآت نووية. ردّ النظام بصواريخ باليستية على تل أبيب وحيفا، لكن معظمها أُسقط. هدنة هشة أُعلنت في 23 يونيو، بعد أن فقد النظام "مظلته النووية"، التي كان يراهن عليها لحماية وجوده. هذا الضعف، مع انهيار حلفائه مثل نظام الأسد في سوريا، ينذر بتداعيات إقليمية، خاصة مع تهديد إغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لاقتصاد الخليج.

لكن القصة الحقيقية لإيران ليست في القصف الخارجي، بل في شوارعها، حيث تشتعل انتفاضة شعبية منذ 2022، بعد مقتل مهسا أميني. هذه الاحتجاجات، التي تدعمها منظمة مجاهدي خلق و"وحدات المقاومة"، ليست مجرد هتافات، بل مشروع وطني لإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية. النظام يواجهها بالرصاص الحي وإعدامات المعتقلين، لكن 84% من الإيرانيين، وفق استطلاعات داخلية، يرفضونه، مما يؤكد فقدانه الشرعية.

في هذا السياق، برزت محاولات رضا بهلوي، نجل الشاه المخلوع، الانتهازية لاستغلال الحرب الخارجية. في رسائله خلال يونيو 2025، دعا القوات العسكرية، بما فيها الحرس الثوري الإجرامي، للانضمام إلى "انتفاضة" تحت قيادته، متوهماً أن بإمكانه استعادة تاج الملكية. تصريحه في 17 يونيو بأن "النظام ينهار"، مع استخدامه رمز "الاسد والشمس" عهد الشاه، كشف طموحه السلطوي المغلف بشعارات ديمقراطية زائفة. اعتماده على دعم إسرائيل، حيث التقى نتنياهو في 2023، والمحافظين الأمريكيين، يناقض ادعاءاته، خاصة مع غياب أي قاعدة شعبية داخل إيران. تحطمت أوهامه عندما أعلن دونالد ترامب في 23 يونيو أنه لا يسعى لتغيير النظام، مما فضح عجزه عن قيادة التغيير.

في المقابل، تألقت المقاومة الإيرانية المنظمة، التي تقدم منذ 20 يونيو 1981 رؤية واضحة: لا المهادنة، التي أطالت عمر النظام، ولا الحرب، التي تهدد بفوضى مدمرة، بل الحل الثالث: إسقاط النظام بيد الشعب ومقاومته. مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة، رحبت بالهدنة في 22 يونيو، مؤكدة أنها تمهد لانتفاضة شعبية. رؤيتها لجمهورية ديمقراطية غير نووية، تفصل الدين عن الدولة، وتضمن المساواة، تجسد أمل الإيرانيين الذين ناضلوا قرنًا ضد الديكتاتوريتين الشاه وولاية الفقيه.

"وحدات المقاومة"، شبكات شبابية منظمة، تقود عمليات جريئة، مثل هجمات على مراكز القمع في طهران وتبريز، وتستعد لانتفاضة وطنية. هذه المقاومة، المتجذرة في تضحيات 44 عاماً، تثبت أن الحل يكمن في إرادة الشعب، لا في قنابل الخارج أو أوهام الملكية.

للعالم العربي، إيران اليوم ليست مجرد جارة، بل رمز لنضال الشعوب ضد الاستبداد. سقوط هذا النظام سيفتح آفاقاً لاستقرار المنطقة، بعيداً عن تصدير الإرهاب وتهديد مضيق هرمز. أدعو إخوتنا العرب لدعم صوت الشعب الإيراني، ليس بالسلاح، بل بالتضامن والكلمة، لنبني معاً مستقبلاً يسوده العدل والحرية.