سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

الشرق الأوسط الجديد.. هل تخدم الحرب الإسرائيلية المصالح الغربية؟

إن الحرب الإسرائيلية على ايران، قد تنجح في خلق فوضى سياسية وأمنية في إيران، أو دفعها نحو حرب أهلية، أو نحو "أفغنة" أو "عرقنة" البلاد، لكنها لن تصنع ثورة.

الذين أجهضوا الثورة في عام 1979، وساعدوا الملالي على الوصول إلى السلطة وترسيخ حكمهم في مواجهة اليسار والطبقة العاملة في إيران، هم أنفسهم اليوم يلعبون الدور ذاته في إجهاض الثورة مجددًا. 

لقد كان إضراب عمال النفط الشهير، حين امتنعوا عن تزويد آلة القمع التابعة لنظام الشاه بالوقود، هو الحدث المفصلي الذي أسدل الستار على حكمه ومهّد لانهياره.

اليوم، بقدر ما تحاول الجمهورية الإسلامية في إيران الصمود في حربها ضد إسرائيل، وتتركز استراتيجيتها على البقاء، فإنها في الوقت نفسه تتنفس الصعداء كلما تمكّنت من البقاء، إذ إن إسرائيل قدّمت لها خدمة كبيرة عبر فرض التراجع على الحركة الثورية والوضع الثوري في الداخل الإيراني، واطلقت يد الجمهورية الاسلامية في قمع كل الأصوات المعارضة والحركة الثورية الداعية للحرية والمساواة.

ليس من مصلحة إسرائيل ولا الغرب عمومًا سقوط النظام السياسي في إيران على إثر ثورة جماهيرية. فطوال سنوات الهبّات الجماهيرية المتكررة في إيران، وآخرها الانتفاضة الواسعة التي رفعت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، لم يتحرك الغرب سوى بإطلاق رشقات إعلامية متفرقة لا تسمن ولا تغني من جوع.

وكل ما يدّعيه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن تمهيده لانتفاضة جماهيرية في إيران، ليس إلا محض هراء. فمن يقتل عشرين ألف طفل بدمٍ بارد في غزة، قبل أن يفتحوا أعينهم على الحياة، ومن يحتل كل يوم أراضي جديدة في فلسطين ولبنان وسورية، ومن يعتقل آلاف من الفلسطينيين ويسلبهم حريتهم مدى الحياة، ومن يحمل روح وعقل أدولف هتلر، لا يمكن أن يكون مشعلًا للحرية.

إن الحرب الدموية الدائرة بين إيران وإسرائيل تشير إلى أمرٍ واحد: سباق محموم نحو الهاوية. فكلا الطرفين يدفع باتجاه التصعيد العسكري دون ترك أي هامش للعودة أو التراجع. وفي كل لحظة من لحظات هذه الحرب، تكشف الوقائع الميدانية أن كلا الجانبين عازمان على المضي قُدمًا حتى النهاية.

لأنه بالنسبة لإيران، فإن هدفها المحوري - كما أشرنا سابقًا- هو إنقاذ النظام ورأسه بأي ثمن. فالتوقيع على "ورقة الاستسلام" كما يريدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستكون له تداعيات كارثية على بنية النظام. إذ سرعان ما ستنهض الجماهير الإيرانية بعد انقشاع غبار المعركة، لتطرح سؤالًا حتميًا على الجمهورية الإسلامية: بأي ثمن قدّمتمونا قرابين لمشروعكم القومي؟

أما إسرائيل، التي نجحت عبر هذه الحرب في استعادة دعم الغرب، فعليها أن تستعد لمواجهة إيران جديدة، ربما تكون أكثر تمرسًا، وأكثر تجذرًا في خطاب قومي معادٍ للإمبريالية، ومستند إلى سردية المواجهة مع “جرائم إسرائيل” في المنطقة. وهذا سيكون أخطر، خاصةً إذا ما تمكن النظام الإيراني من الصمود والخروج من تحت الركام.

الحرب الدموية الدائرة حاليًا بين إسرائيل وإيران تُعدّ تدشينًا لمرحلة جديدة في المنطقة، ولا ترتبط بالملف النووي الإيراني ارتباطًا مباشرًا، إلا من حيث التبعات والتوظيف السياسي. وقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن هذا التحول صراحة في خطابه الأخير، حين قال إنه "يُغيّر وجه الشرق الأوسط".

وما يُسمّى بـ"الشرق الأوسط الجديد" يُترجم، وفق الاستراتيجية الأميركية التي تدعم إسرائيل بلا قيد أو شرط، إلى منطقة خالية من النفوذ الصيني، والروسي، والأوروبي. فإذا كانت الصين وروسيا منشغلتين بمشاكلهم في المحيط الهادئ وأوكرانيا، فإن حال أوروبا ليس أفضل حالاً.

فرنسا، على وجه الخصوص، ينسحب عليها قول ماركس في "الثامن عشر من برومير": "التاريخ يعيد نفسه أولاً كمأساة ثم كمهزلة". فبعد أن عارضت غزو العراق في 2003، تجد نفسها اليوم عالقة في موقف متذبذب، يتأرجح بين انزلاق مكانتها نحو الهاوية، وأفول هيمنتها الاستعمارية في إفريقيا، وتراجع دورها السياسي في الشرق الأوسط، وبين محاولات بائسة للتشبث بأي قشة للنجاة. هذا التردد يتجلى بوضوح في تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تارةً يدافع عن إسرائيل وينخرط في أجواء الحرب، وتارة أخرى يعلن امتناعه عن المشاركة المباشرة فيها.

أما ألمانيا، التي سعت لتجميل صورتها إلى جانب بريطانيا بعد دعمهما غير المشروط لجرائم إسرائيل في غزة، فقد عادت تصطف مجددًا خلف السياسة الإسرائيلية في حربها على إيران. بينما تقوم بريطانيا من جهتها بتقديم الدعم الاستخباراتي، بل وأرسلت قوات إلى المنطقة لدراسة إمكانية مساعدة إسرائيل وتعزيز فرص تفوقها.

بعبارة أخرى، يبدو أن الجميع متوجّسون من شرق أوسط لا نفوذ لهم فيه، ولهذا يلهثون خلف واشنطن في محاولة للحفاظ على موطئ قدم. وقد كشف البيان الختامي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) عن التوجّه الغربي الواضح في دعم إسرائيل في حربها ضد إيران.

في ظل هذا المشهد السياسي والعسكري الذي يدفع المنطقة نحو الهاوية، هل يمكن الحديث فعلًا عن ثورة وحرية في إيران، وتُرسم معالمها برعاية إسرائيل وبحث الغرب عن بديل جاهز لتنصيبه على رأس السلطة؟ إن ما تحتاجه جماهير إيران اليوم هو وقف الحرب فورًا، وتقديم كل أشكال الدعم لها.

وتجربة العراق — فضلًا عن أفغانستان أو ليبيا — علمتنا أن ما سُمّي بـ”تحرير العراق من نظام صدام حسين” على يد القوات الأميركية عام ٢٠٠٣، قد تحوّل في الواقع إلى تحرير العراق من الإنسان، بكل ما تعنيه هذه العبارة.

نحن في العراق، الذين عشنا ثلاث حروب متتالية وحربين أهليتين، نعرف أكثر من غيرنا في المنطقة أن الغزو، والاحتلال، وضربات الناتو وأميركا، لا تجلب سوى الدمار والخراب، وتراجع المدنية والتحضر، ولا تنصّب إلا اللصوص والانتهازيين على سدة الحكم.