ناصر عبدالقادر يكتب لـ(اليوم الثامن):

من يملك القرار في اليمن؟.. قراءة في فساد المناصب وفوضى الشرعية

 لم يعد الصمت مجديًا إزاء ما يدور في وطننا المنكوب، وقد آن الأوان لأن نكشف، بلا مواربة، عن مكامن الخلل، ونسلط الضوء على الواقع السياسي البائس، حيث تحوّلت المناصب القيادية في الدولة اليمنية إلى سلع تُباع وتُشترى، لا تُمنح على أساس الكفاءة، بل لمن يدفع أكثر، أحيانًا عبر مؤسسات خيرية ظاهرها الرحمة وباطنها المصالح، تديرها أطراف معلومة الولاء والانتماء، وبدعم واضح من حزب الإصلاح، الذراع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين.

باتت الحكومة الشرعية أشبه بمسرح عبثي، يتنافس أبطاله على السفر والظهور الإعلامي ولقاءات السفراء دون نتائج تُذكر، بينما يتعمق الانقسام وتتسع الفجوة بين سلطات الأمر الواقع وهموم الشعب. الشرعية عاجزة عن ممارسة سلطتها، لكنها متفرغة لصراع المناصب ومراسم البروتوكول، في وقت يصرخ فيه اليمنيون: أين الخدمات؟ أين الرواتب؟ بل أين الدولة؟

أعضاء هذه الحكومة، لم يتقنوا حتى فنون الفساد التقليدي، فهم ليسوا فاسدين محترفين بقدر ما هم عشوائيون، جاهلون بأساسيات الإدارة والسياسة، ركبوا موجة التغيير في 2011، ثم تسلقوا على دماء الشهداء في 2015، عندما خاض الجنوب معركته لاستعادة هويته ووجوده، بدعم واضح من دولة الإمارات العربية المتحدة. الدعم الإماراتي، ماديًا وسياسيًا وعسكريًا، لم يكن عابرًا ولا عشوائيًا، بل كان موجهًا نحو بناء منظومة مستقرة، لكنه اصطدم بجدران المصالح الشخصية والأجندات العابرة للحدود.

منذ الاستقلال في 1967 وحتى اليوم، تتكرر المأساة ذاتها: أنظمة تحكم ثم تفشل، ثم تلقي بفشلها على الخارج. جنوبًا حكم الماركسيون، واليوم عاد بعضهم بلبوس الدين، يتقن الخطابة والتمظهر الديني، ويصلي قبل الأذان لنيل إعجاب النافذين.

حذّرت الرئيس السابق عبدربه منصور هادي من الانقلاب المحتوم عليه من داخل مكتبه، ومن عبث مؤتمر الحوار الوطني، لكن تحذيراتي وُوجهت بالسخرية والإنكار. ما حدث بعد ذلك كان أسوأ مما توقعت: انقسام الشرعية، وتآكل القرار الوطني، وترك البلاد لقوى متناقضة تتصارع على أشلاء وطن.

الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح: اليمن اليوم محكوم فعليًا من جماعة الإخوان المسلمين، بقيادة علي محسن الأحمر، ويجري قمع الشعب وتجويعه تحت راية الشرعية، بينما تُستخدم الأموال السياسية لتشويه دول التحالف، وعلى رأسها الإمارات، التي كانت الأكثر التزامًا بدعم مسيرة اليمنيين، وخصوصًا في الجنوب.

ما يقوم به حزب الإصلاح وأذرعه الإعلامية والتمويلية ليس سوى محاولة لرد الجميل بالحقد، لا لشيء إلا لأن الإمارات وقفت سدًا منيعًا في وجه مشروع "التمكين الإخواني" في 2011، حين فشل ما سُمّي بـ"الربيع العربي" في إعادة إنتاج الاستبداد بلون ديني جديد.

المال الإخواني المسموم ينتشر في العالم لتقويض أي نموذج عربي ناجح، بينما الحقيقة واضحة أمام الشعوب: الإمارات، ومعها السعودية، كانت ولا تزال إلى جانب الشعوب، لا الأنظمة الفاشلة، والوقت لم يفت بعد لتصحيح المسار.

أقترح على الشعب اليمني، شمالاً وجنوبًا، أن يطالب، وبإصرار، بتوقيع معاهدة شراكة استراتيجية بين اليمن ودولة الإمارات، تضمن إخراج البلاد من الفصل السابع، وتوفر ضمانات أمنية واقتصادية شاملة، تنهي مرحلة الوصاية الدولية وتعيد لليمن استقلاله المهدور.

ليس معقولًا أن يعيش شعب تحت رحمة ثمانية رؤساء وأربعين وزيرًا، لا يملكون قدرة على توفير الخدمات أو حتى دفع رواتب موظفي الدولة، بينما تُضاف إلى هذه الفوضى قرارات عبثية بتعيين نواب لوزراء بلا مهام واضحة، سوى استنزاف ما تبقى من المال العام.

أقولها بلا مواربة: هناك مؤسسة خيرية يمنية تتولى بيع المناصب لمن يدفع أكثر، والأمر موثق لدى كثيرين. شخصيًا، عُرضت عليّ مناصب عديدة ورفضتها، وساهمت في قضايا وطنية جوهرية، منها إيصال القضية الجنوبية إلى المحافل الدولية، وبذلت جهودًا في المصالحة بين فرقاء الصراع اليمني، دون أن أسعى لمقابل مادي أو معنوي.

من بين كل هذا الخراب، هناك قلة من المسؤولين أثبتوا إخلاصهم وجديتهم، وعلى رأسهم: العميد طارق محمد صالح، اللواء فرج سالمين البحسني، العميد عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي، واللواء شلال علي شائع هادي. هؤلاء يمثّلون صورة رجال الدولة في زمن عزّ فيه رجال الدولة، ويستحقون ثقة الشعب لا لخطاباتهم، بل لأفعالهم.

وأخيرًا، رسالتي إلى التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات: لقد كنتم وما زلتم سندًا حقيقيًا للشعب اليمني، لكن عليكم إعادة النظر فيمن تمثّلونهم داخل اليمن، فالشرعية الحالية تُظهر الولاء لكم، لكنها تتواطأ مع أعدائكم. فاستمرار دعمها كما هي، قد يُفضي إلى نتائج عكسية، وتحوّل الشعب من صديق إلى ناقم.