ياسين فواز يكتب:

العقوبات الأمريكية: خطر وشيك يهدد رجال الأعمال اليمنيين

تصعّد الولايات المتحدة ضغوطها على المتمردين الحوثيين في اليمن. ومن المتوقع أن تتجاوز العواقب الاقتصادية الناجمة عن ذلك الحوثيين، وتؤثر على طيف واسع من الشركات العاملة في المناطق التي يسيطرون عليها.

وبعد تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية اعتبارا من 4 مارس 2025، دخل اليمن في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

ومن المتوقع أن تُقيّد هذه الخطوة بشكل كبير وصول الحوثيين إلى الأسواق المالية الدولية، ما يؤثر على قدرتهم على استيراد السلع والحفاظ على النظام الاقتصادي. ومع ذلك، يبقى من المتوقع أن يجد الحوثيون طرقا لتجاوز هذه العقوبات، بما قد يؤدي إلى توسيع نطاق سيطرتهم الفعلية على أراضيهم.

ودخلت العقوبات حيز التنفيذ اعتبارا من مارس 2025. ولا تستهدف جماعة الحوثي فحسب، بل أيضا أيّ أفراد أو كيانات أو شركات تقدم الدعم لهم. وتُمثل هذه الإجراءات عقبة كبيرة بالنسبة إلى أولئك الذين يمارسون أعمالا تجارية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. واعتمد الكثيرون طرق التجارة عبر مناطق مثل العاصمة صنعاء للحفاظ على إمكانية الوصول إلى الإمدادات والخدمات الحيوية. وقد تؤدي العقوبات المفروضة حديثا إلى قطع هذا الوصول، حيث تخضع أيّ تعاملات مالية مرتبطة بالحوثيين لتدقيق الولايات المتحدة.

إجراءات وزارة الخزانة تركز تحديدا على بنك اليمن والكويت لضلوعه في غسيل الأموال، وتسهيل مبيعات النفط الإيراني، ومساعدة الحوثيين على إنشاء شركات واجهة

واتخذت وزارة الخزانة الأميركية خطوة مهمة في 17 يناير 2025، حيث فرضت عقوبات على بنك اليمن والكويت في صنعاء لدعمه الحوثيين ماليّا. وكان للبنك دور محوريّ في تمكينهم من الوصول إلى الأنظمة المالية الدولية، ما ساعدهم على تمويل هجمات إقليمية مزعزعة للاستقرار. إضافة إلى ذلك، ساعد البنك الحوثيين على استغلال القطاع المصرفي اليمني لغسل الأموال ونقلها إلى الحلفاء، ويشمل ذلك حزب الله اللبناني. ويُبرز هذا القرار عزم الحكومة الأميركية على تفكيك الهياكل المالية التي تدعم نفوذ الحوثيين.

وتركز إجراءات وزارة الخزانة تحديدا على بنك اليمن والكويت لضلوعه في غسيل الأموال، وتسهيل مبيعات النفط الإيراني، ومساعدة الحوثيين على إنشاء شركات واجهة.

ويُوجّه هذا القرار رسالة قوية إلى جميع العاملين في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ويؤكد لهم أن دعم الحوثيين أو التعامل معهم أصبح الآن خطرا لا يمكن التغاضي عنه.

ولا تشمل العقوبات الحوثيين فحسب، بل كل المؤسسات المالية أو الشركات أو الأفراد أو المنظمات التي تُساعدهم بأيّ شكل من الأشكال. ويُعدّ هذا تحذيرا للدول الأخرى في المنطقة التي تُفكّر في استمرار علاقاتها مع الحوثيين أو محاولاتها للالتفاف على العقوبات لمواصلة عملياتها.

وتندرج هذه المبادرة ضمن جهود منسقة من مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية والاستخبارات لتحديد وتحييد أيّ أطراف تدعم الحوثيين. والرسالة الموجهة إلى الشركات حازمة: ليس العمل مع الحوثيين أو دعمهم بشكل غير مباشر خطيرا فحسب، بل هو خرق مباشر للعقوبات الأميركية، وله عواقب وخيمة.

وتزامنا مع تصاعد الضغوط، يعمل مسؤولو الاستخبارات والخزانة الأميركيون بنشاط على تحديد وتفكيك الشبكة المعقدة من الجهات المالية المُمكّنة للحوثيين وطرق التجارة غير المشروعة التي تدعمهم. وتُجري هذه الوكالات تحقيقات دقيقة في المعاملات المالية والشركات الوهمية وتحويلات الأموال عبر الحدود المرتبطة بالجماعة. وتهدف بهذا إلى تفكيك الأنظمة المالية التي تُشكّل أساس سيطرة الحوثيين، بما يثبط أيّ شكل من أشكال الارتباط بهم.

ويُظهر استثمار الولايات المتحدة المستمر في الاستخبارات وتطبيق العقوبات جدية نيتها في هذه الحملة الاقتصادية ضد الحوثيين. ويضمن هذا الجهد المشترك محاسبة أيّ شخص يدعم الحوثيين، عن علم أو عن غير علم، مع فرض نتائج وخيمة لانتهاك العقوبات.

لطالما تضمّن التعامل مع الحوثيين مخاطر لقادة الأعمال اليمنيين الناشطين في الأماكن التي تسيطر عليها الجماعة

ويبرز التزام الحكومة الأميركية بتفكيك هذه الشبكات المالية في إجراءاتها المباشرة والتحذيرات التي وجهتها للمتورطين.

وتشير تقارير موثوقة إلى أن واشنطن حذّرت أحد مالكي بنك اليمن والكويت في أبريل 2024 من مخاطر استمرار العمليات المرتبطة بالحوثيين أو محاولة التهرب من العقوبات. ويبدو أن هذا التحذير لم يُؤخذ على محمل الجد، ما أدى في نهاية المطاف إلى فرض الحكومة في واشنطن عقوبات على البنك. وتُبرز هذه النتيجة شدة العقوبات الأميركية، وتُظهر عواقب عدم الامتثال.

ولطالما تضمّن التعامل مع الحوثيين مخاطر لقادة الأعمال اليمنيين الناشطين في الأماكن التي تسيطر عليها الجماعة، لكن تصنيفها منظمة إرهابية يرفع هذه المخاطر بشكل كبير، وقد يجد أيّ رجل أعمال يتعامل مع الحوثيين نفسه على قائمة “المواطنين المصنفين بشكل خاص والأشخاص المحظورين”. وسيؤدي هذا التصنيف إلى تجميد أصوله في الولايات المتحدة وعزله عن الأنظمة المالية العالمية، بما في ذلك شبكة سويفت.

وما يثير القلق أكثر هو التهديد المتصاعد للعقوبات الثانوية التي قد تُعاقب الكيانات التي تُجري أعمالا تجارية مع دول تدعم الحوثيين أو تُسهّل التهرب من العقوبات (بغض النظر عمّا إذا كانت لهذه الكيانات روابط مباشرة بالجماعة). وفي ظلّ الاقتصاد العالمي المترابط اليوم، تُمثّل هذه الإجراءات سلاحا اقتصاديا فعّالا وقادرا على تقليص آفاق الأعمال والشراكات الدولية.

من المرجّح أن تنأى العديد من الشركات المشروعة بنفسها عن الحوثيين لتجنب العقوبات. لكن الوضع لا يزال مُعقّدا، حيث اعتمد الحوثيون تاريخيا على قنوات تمويل سرية، بما في ذلك التهريب والأنظمة المالية غير الرسمية. وسيواجه أولئك الذين يحاولون تجاوز العقوبات أو دعم الحوثيين سرا عقوبات مالية، واحتمال الملاحقة الجنائية بموجب القانون الأميركي والدولي. وأوضحت الولايات المتحدة أن أيّ شخص يدعم مثل هذه الأنشطة سيواجه عواقب وخيمة.

كما قد تعلق بعض الشركات التي لا تدعم الحوثيين بشكل مباشر، ولكنها تنشط ضمن أراضيهم، في شبكة تحدّيات الامتثال. وهي تواجه خطرا حقيقيا يتمثل في انتهاك العقوبات عن غير قصد، ما يزيد من صعوبة العمل في هذه المناطق.

مستقبل الأعمال في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين يشهد لحظة حاسمة، وستكون للقرارات المتخذة الآن آثار بعيدة المدى على مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي

وتمتد هذه العقوبات الأميركية إلى ما وراء حدود اليمن، وتحمل أهمية إقليمية. ويتعين على دول الخليج، التي غالبا ما تكون وسيطا في التجارة والدبلوماسية اليمنية، أن تتعامل الآن مع التوتر المتزايد بين الحكومة المعترف بها دوليا في عدن وسيطرة الحوثيين على صنعاء.

ويُضيف دعم مجلس التعاون الخليجي للهيئات الحاكمة الموازية في اليمن تعقيدا إلى وضع متقلب أصلا. وتوازن المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، بين مشاركتها التقليدية في السياسة اليمنية وموقف أكثر صرامة تجاه الحوثيين. نتيجة لذلك، قد تواجه الشركات العاملة في مناطق الحوثيين، وخاصة تلك المرتبطة بالكيانات الخليجية، تدقيقا مشددا إذا بدا أن أنشطتها تدعم الحوثيين أو تمكّنهم.

ويُمثل فرض هذه العقوبات على الحوثيين وداعميهم تحولا حاسما في المشهد الاقتصادي المتدهور في اليمن. وأصبحت الرسالة واضحة للشركات العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين: فلم يعد الانخراط في العقوبات أو محاولة التحايل عليها خطرا يمكن تجاوزه. وينبغي أن يدفع خطر العقوبات الثانوية، وتجميد الأصول، والتهم الجنائية المحتملة، الشركات إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها وتحالفاتها.

ويثير اتخاذ الولايات المتحدة خطوات لقطع الموارد المالية عن الحوثيين التساؤل حول ما إذا كان الفاعلون الإقليميون سيستمرون في دعم الهياكل الموازية في اليمن أو يتحولون نحو التحالف مع المجتمع الدولي لتجنب المخاطر المتزايدة المرتبطة بالاشتباك مع الجماعة اليمنية.

ويشهد مستقبل الأعمال في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين لحظة حاسمة، وستكون للقرارات المتخذة الآن آثار بعيدة المدى على مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي.

ولهذا السبب، أشجع بشدة جميع الأفراد والشركات على إعادة تقييم عملياتهم في اليمن والنظر في تعليق مشاركتهم أو إنهائها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فإن من شأن هذه الخطوة أن تُسهم في تخفيف مخاطر الاستثمار المرتبطة بالسوق اليمني المتقلب، وتُشكّل في الوقت نفسه موقفا رافضا لأفعال الحوثيين التي تُهدد استقرار النظام الاقتصادي الدولي الحيوي لاقتصاد عالمي قوي وسليم.

والأهم من ذلك، أن اتخاذ مثل هذه التدابير سيساعد على تجنب التصنيفات الكارثية التي تُشبه “حكم الإعدام المالي”. وسيؤدي هذا التصنيف إلى تجميد الأصول، وفقدان الوصول إلى الأنظمة المالية العالمية، وتدمير آفاق الأعمال المستقبلية والاستقرار المالي الشخصي بشكل دائم. وهذا خطر لا يمكن لأيّ كيان أو فرد تجاهله، لأن عواقبه وخيمة ومخاطره جسيمة.