د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

ملالي ولاية الفقيه ــ والإسلام والتشيع (2-3)

يجهل الغالبية العظمى من قراء العربية ماهية النظام الإيراني وحقيقة ما يجري في إيران من مآسي، ليس ذلك فحسب بل وقع البعض منهم منخدعا بنظام ملالي إيران وشعاراتهم المخادعة وانبرى متنصلا من ذاته منصهرا مع  هذا النظام الذي يستخف به ويمتصه ولا ينظر إليه إلا كوسيلة من وسائل بلوغ الغايات.

ذات يوم سأل أحدهم حكيما أن يثبت له سطوع الشمس فأجابه سل جسدك في صبيحة يوم مشرق! والمؤسف أن الكثيرين من متلقي شعارات نظام ملالي إيران من كبيرهم إلى صغيرهم لا يريدون الدخول إلى عالم النور ورؤية الحقيقة التي بين أرجلهم وأمام أعينهم في العراق واليمن ولبنان وقد كان أهل هذه البلدان متعايشون متحابون قبل تدخل نظام الملالي في شؤونهم الداخلية، ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال فيما وصلوا إليه من حال وما الجديد الذي أضافه إليهم ملالي إيران سوى الخراب والدمار والتناحر والشقاق فيما بينهم ولم يدركوا أبدا أن ما هم عليه من حال ما هو إلا أزمات مصطنعة ليهلكوا وينتعش الملالي على هلاكهم ولا عتب إن أكلت العقارب أمها فتلك أمها وليس العكس ، أما ما يحدث في الدول المذكورة على العكس من الإدعاء تماما حيث تأكل الأم المدعية بالوصاية باطلا من هم تحت إدعاء وصايتها ولا يحدث هذا إلا مع الكائنات الموبوءة.

في هذا المقال المكون من ثلاثة أجزاء نسلط الضوء على الحقائق التي ينبغي أن يعرفها قراء العربية من العرب وغيرهم لإلقاء الحجة عليهم لعله يخرج منهم من يقول للحق نعم أو يستنير ويحتمي.

الملالي والثورة الإيرانية وخصوم الرأي

أوردنا في الجزء السابق البادىء والمتمم لهذا المقال وفي مقالات سابقة بأن الملالي قاموا بسلب ونهب الثورة التي قام بها الشعب ومجاهدي خلق واليسار الإيراني على الشاه، واستمر الملالي على ثقافة السلب والنهب هذه إلى يومنا هذا حيث سلبوا ثورة الشعب ودماء أبنائه المضحين، وسلبوا آراء الشعب والثوار وسلبوا الثروات والمقدرات وقزموا الدين والعقيدة وحصروا كل شيء في عمائمهم ولم يعد هناك صوتا صوتا يعلو على عمائهم حتى لو كان ذلك صوت الحق صوت الإسلام المحمدي الأصيل والذي بمجرد أن برز صوت الإسلام الأصيل هذا عبر مجاهدي خلق قام خميني وجنوده بقمعهم وتمادى في ذلك ولما وجد نفسه ضعيفا أمام تيارهم الذي بات يستقطب جموع الشعب أمر بقتلهم جميعا أينما وسمى أوامره تلك بفتوى الحِرابة وراح جنوده يفعلون بمجاهدي خلق ما لم تفعله جنود فرعون ببني إسرائيل، علما بأن حد الحِرابة لا يجوز تطبيقه شرعا على خصوم الرأي وإنما يتم تطبيقه (على من أعلن جهارا نهارا تعديه على العباد بسرقة أموالهم وإزهاق أرواحهم ) أي لابد أن تقترن السرقة بالسلاح والقتل حتى يجوز تطبيق حد الحِرابة في هذه الحالة؛ فكيف وأي دين ومذهب هذا الذي يجيز إبادة عشرات الآلاف من خصوم الرأي الذين يطالبون بحقوقهم في الرأي والوجود فيكون رده عليهم بتطبيق حد الحِرابة الذي لا يقام إلا على اللصوص القتلة، فإذا كان خميني وجنوده من المؤمنين الصادقين بالله ورسوله ومن شيعة آل البيت فلن يقوم بفعل ذلك؛ لكنه بفعل ذلك بحق عشرات الآلاف من خيرة أبناء إيران خُلقاً من أجل السلطة فإنه يكون قد خرج هو وجنوده عن ملة الإسلام وعن المذهب الجعفري الذي يدعون به؛ ومن يخرج خروجهم عن ملة الإسلام هو من يستحق إقامة الحد عليه وله خزي في الدنيا وفي الآخرة له عذاب عظيم ذلك لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه العزيز "ومن قتل نفس بغير نفس أو إفسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها كأنما أحيى الناس جميعا"، ولم يكتفي خميني وخامنئي وجنودهما بقتل الناس وخصوم الرأي في إيران فقاما يلاحقان معارضيهم في الخارج فقتلوا الزعيم الكردي الإيراني عبدالرحمن قاسملو، وقتلوا البروفيسور كاظم رجوي، ثم حاصروا و قتلوا سكان أشرف1 وأشرف2 العزل نهارا جهارا أمام مرأى ومسمع العالم كله علما بأنهم كانوا تحت الحماية الدولية، بعد كل هذا هل تشبع تلك العمائم من المؤامرات؛ هل ترتوي من الدماء كلا وألف كلا ، وفي هذه المرة ذهبوا إلى باريس وبواسطة وزارتي المخابرات والخارجية الإيرانيتين نقلوا قنبلة بقدرة تفجيرية وبقطر حريق إبادي واسع وبتقنية تشظي كثيفة وبعيدة المدى بقصد إغتيال السيدة مريم رجوي وقادة مجاهدي خلق والمقاومة دون أدنى إكتراث بوجود مئات الشخصيات العالمية وعشرات المئات من النساء والأطفال الأبرياء لكن الله سلم وكشفت المقاومة المخطط وتم إلقاء القبض على الخلية الإرهابية التي يرأسها دبلوماسي رفيع المستوى ضمن البعثة الدبلوماسية الإيرانية في فيينا وقد حُكِم عليه بالسجن 20 عاما من قبل القضاء البلجيكي، وهل يكتفي هؤلاء السفاحون بذلك؟ لا لم يكتفوا حيث قاموا بتعيين المدعو إبراهيم رئيسي رئيسا للجمهورية مكافأة له على إجرامه بعد مسرحية إنتخابات هزليىة مفضوحة أعدها وأخرجها هامان علي خامنئي خليفة فرعون خميني المؤسس للعصابة الحاكمة في طهران، فرئيسي الشهير لدى الشعب الإيراني بجزار سنة 1988 لقيامه بمجزرة إبادة جماعية بحق 30 ألفاً من السجناء السياسيين معظمهم من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لم يتم تعيينه رئيسا للجمهورية فقط للحاجة إليه في قمع الشعب الإيراني كخبير ذي تجارب فحسب بل لأن النظام الإيراني الفاشي كان يدرك تماما أن المجتمع الدولي سيتهاون مع ذلك وبالفعل قد حدث؛ وكما تقول الحكمة (من أمِنَ العقاب أساء الأدب) وقد أمن نظام الملالي الفاشي العقاب وأساء الأدب طيلة اكثر من ثلاثة وأربعين عاما من الجحيم المُقام على رؤوس الشعب الإيراني وبعلم وإطلاع المجتمع الدولي.

الملالي بعد عام ٢٠٠٣ 

زج الملالي جنودهم من المعارضة العراقية في الربع الأول من عقد التسعينيات من القرن الماضي في منصة سياسية أقامها أحمد الجلبي في حينها لإحتوائها واحتواء ما خفي من مساراتها إلى أن أفشلوا هذه المنصة، وفي عام 1998 زجوا بهم في كافة المشاريع التي تتبناها الإدارة الأمريكية والغرب من أجل إسقاط نظام الحكم في العراق وذلك عندما أيقن الملالي جدية الغرب في توجهاتهم بشأن العراق وبزجهم بهم في تلك المشاريع تمكنوا من التواجد المثمر فيها هذا إن لم يتمكنوا من إحتوائها فالتواجد بالنيابة عن نظام الملالي في تلك المشاريع لم يكن من خلال الإسلاميين الشيعة العراقيين فقط بل كان من خلال الأكراد وأحمد الجلبي أيضا مما مهد لهم تواجدا كبيرا في العراق بعد إحتلاله عام 2003، وقد فرض هذا التواجد الكبير على التحالف الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة استسلاما كبيرا لصالح النظام الإيراني وجعلهم يسلمون العراق له كهدية على طبق من ذهب فشرع بإتمام مشروع الإبادة الذي أسس له خميني في حينه ضد مجاهدي خلق الذي كانوا بحماية قوات التحالف الدولي بموجب إتفاقية جنيف الرابعة؛ وبالرغم من هذه الحماية لم يسلموا من أذى النظام الإيراني وإرهابه، وبمجرد أن سلمت الإدارة الأمريكية السيادة للسلطة العراقية الدمية بيد ملالي طهران سارعت هذه السلطة الدمية بشن هجوم بربري همجي بالفؤوس والسيوف والمناجل وأدوات أخرى وحشية تحملها تلك الوحوش الأجيرة بالنيابة، وما جرى في أشرف1 من حصار واعتداءات جرى ما هو أبشع منه في ليبرتي (أشرف2)، وبعد أن خطط ملالي طهران للقضاء على مجاهدي خلق وإبادتهم كليا في العراق بأيدي عراقية، إلا أن حكمة منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية بقيادة المرأة الصابرة المناضلة المؤاثرة السيدة مريم رجوي تمكنت من تفويت الفرص واحدة تلو الأخرى عليهم ونقلت عناصر المنظمة إلى ألبانيا بشكل مفاجىء وقد كان ذلك ضربة قاضية مؤلمة لملالي الظلام إلى يومنا هذا.

لقد مرحلة ما بعد العام 2003 مرحلة ذهبية للملالي الفاشية المتحكمة في إيران بسبب إحتلال العراق وحل مؤسسات الدولة ونشر الفوضى والإضطراب والأزمات فيه ونظامٌ كنظام ولاية فقيه الجاهلية لا ينشط إلا بمواقع الأزمات إذ هو نظام قائم على إختلاق الأزمات ولا يمكنه المضي قدما إلا في ظل أزمات وكانت الأوضاع الجارية في العراق بعد الإحتلال بيئة خصبة مناسبة له عزز من خلالها قدراته وبات يلاحق فيها كوابيسه ومخاوفه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعاظمت قدرات السلب والنهب لدى رموز نظام الملالي وعملائهم ومرتزقتهم سواء بالداخل الإيراني أو في العراق هذا بالإضافة إلى توسعات ونفوذ الملالي في المنطقة والعراق على وجه الخصوص بعد خروج منظمة مجاهدي خلق منه، فقد كان لمجاهدي خلق في العراق دورا مهما جدا في تحجيم ملالي البؤس في العراق وكانت لشجاعتهم واستبسالهم في مواجهته وفضحه وتعريته أمام العراقيين شأنا يستحق الوقوف أمامهم بكل إجلال وتقدير على الرغم من أنهم  كانوا محاصرون عزلا منزوعي السلاح ولم يكن أي قزم من اقزام طهران في العراق بمقدوره أن يقوم بفعالية سياسية أو جماهيرية بالعراق سواء كان ذلك داخل أشرف أو في قلب بغداد بالقدر الذي كانت تقوم به منظمة مجاهدي خلق، أما بعد خروجهم فقد تمكن نظام الملالي من العراق إلى حد بات فيه قادرا على إخضاع المناطق السنية له بعد أن بلاهم بداعش ومن هم أسوأ من داعش نهجا وسلوكا وإجراما، وخلاصة القول في هذا الجانب ما كان لملالي طهران المجرمين أعداء الدين أن يتنفذوا في المنطقة وفي سوريا لولا الفرصة التي أهداها لهم المجتمع الدولي في العراق. 

يُتبع حتى الجزء الثالث 3-3 

د.محمد الموسوي / كاتب عراقي