يوسف الحسن يكتب:

الذباب بين القمامة والورود

الفساد آفة قديمة، عرفته إمبراطوريات وحضارات غابرة، ومازال موجوداً حتى يومنا هذا، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم مرات عدة، كما ورد في كتب أديان ومعتقدات وفلسفات معتبرة.

ويتحدث التاريخ عن ملوك وفلاسفة، حاربوا الفساد، وأصدروا قوانين بعقوبات على المرتشين والفاسدين، كما يشير التاريخ إلى دور الفساد في انهيار إمبراطوريات وممالك، وتفسخ مجتمعات.

وفي التاريخ المعاصر ومع توسع الاقتصاد العالمي، ازدادت مستويات الفساد، وهناك تقديرات صدرت عن مؤسسات دولية، كالبنك الدولي، وهيئات مكافحة الفساد، تشير إلى أن حجم الفساد يُقدر، بأكثر من ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتقدر منظمة الشفافية الدولية أن عدداً من زعماء العالم، اختلسوا مليارات من الدولارات.

ويوصف الفساد، بشكل عام، بأنه حالة «تعفُّن، وتلف تدريجي، وتفسُّخ وقبح وتدهور.. إلى غير ذلك من الأوصاف.. التي تعني في نهاية المطاف، إعاقة التطور والصلاح، وإلحاق الضرر بالناس والمجتمع».

وللفساد تجلياته المتنوعة، بدءاً من التقاعس عن أداء الواجب، وعرقلة مصالح الناس، واستغلال الوظيفة العامة لكسب غير مشروع، وممارسة المحسوبية والنصب والاحتيال وغسل الأموال.

ومن تجلياته المعروفة الرشى لأجل تخليص معاملة مخالفة للقانون، والفساد الترفي والبذخي المهلك للمجتمعات «وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناهم تدميراً». (الإسراء: 16)

ومن تجلياته الخطيرة أيضاً فساد «العمولات» الكبيرة، وفساد المال السياسي، الذي يشتري الأصوات الانتخابية، والولاءات السياسية، والأقلام الإعلامية، والألسنة الجاهزة للنفاق والتطبيل، وخيانة الأمانة والأوطان، فضلاً عن الفساد الإداري والتزوير والتحايل.

ينتعش الفساد حينما يضعف أو يغيب القانون وثقافته، رسمياً وشعبياً، وتضعف نظم الشفافية والمساءلة، ويغفو الضمير المسؤول.

وفي مثل هذا المناخ، تتعزز الثقافة الرديئة للفساد في المجتمع، وتتخلّق مناخات انعدام الثقة المتبادلة، ويعم الابتزاز وشراء الذمم والتسيب، ويدب الضعف والانهيار في مؤسسات الدولة وتهتز العدالة ويرتفع منسوب القهر والتحايل.

ويقول ابن خلدون في مقدمته: «إن انتشار الفساد، يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم».

ويقول ابن خلدون أيضاً: «إن المجتمعات لا يصيبها الترهل، إلا عندما ينخزها الفساد»، فتزداد مخاطر العنف والنزاعات الداخلية، وتتعطل التنمية، وتتقوض سلطة الدولة.

ولا شك أن جهوداً دولية كثيرة تضافرت في السنوات الأخيرة، لمكافحة الفساد، عبر إرساء الحكم الرشيد، وتعزيز المعايير الصارمة الواقية من حصول الفساد، والحيلولة دون الإفلات من العقاب.

وفي إطار هذه الجهود، عرف العالم الكثير عن ممارسات فساد لشركات شهيرة كبرى، وهي شركات رغم قصص نجاحها الكبيرة، إلا أنها تورطت في دفع مئات الملايين من الدولارات كرشى، للفوز ببعض العقود التجارية، واضطرت في نهاية المطاف بعد انكشاف هذه الرشاوى، لدفع غرامات بعشرات الملايين، إن لم تكن بالمليارات. وبالطبع، فإن ذلك تم بعد أن حققت أضعافاً مضاعفة من المكاسب المادية.

قال لي صديق ناشط في المنظمة العربية لمكافحة الفساد، وأنا أحاوره ذات يوم، في مقر المنظمة ببيروت «إذا استطعت أن تقنع الذباب أن الورود والأزهار أفضل من القمامة، حينها يمكنك إقناع الفاسدين أن سلامة المجتمع، وحماية أرواح الناس وحقوقهم، أغلى من المال ومن استغلال السلطة»