
شيعة العراق بين السعودية وإيران
كل قضية سياسية تتعلق بالشأن العربي يسعى الإعلام الخميني والإخواني إلى وضعها في إطار عقائدي ويعيد صياغتها برؤية تخدم دول مشاريع الإسلام السياسي.
لم تكن الأزمة الأخيرة التي افتعلتها إسرائيل في المسجد الأقصى لتخفيف الضغط موضوع إعلام مشاريع الإسلام السياسي لإثارة الرأي العام العربي ضد المملكة العربية السعودية، ولكن تبادل الزيارات وفتح آفاق الحوار بين المملكة والتيارات السياسية الشيعية في العراق نالا نصيبهما من التشكيك في نوايا المملكة وأهدافها من تلك الزيارات، خاصة في الإعلام الإيراني ومؤسساته العربية. ماذا تريد السعودية من شيعة العراق، وماذا تريد إيران منهم؟
في عددها الصادر في أغسطس من عام 1983 نشرت مجلة الدستور فقرة من وصية الخميني على غلافها جاء فيها “هذه وصيتي، عندما تنتهي الحرب مع العراق علينا أن نبدأ حربا أخرى، أحلم أن يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة والكويت”.
إذا كانت بين السعودية والعراق روابط ثقافية قومية ومصالح سياسية واقتصادية مشتركة، وبين العراق وإيران مشروع طائفي يستغل موارده البشرية والاقتصادية للتوسع. ما الذي يجعل إيران خيارا لشيعة العراق لا السعودية؟ علاقة إيران أو السعودية بشيعة العراق مسألة غير خاضعة للمفاضلة أو الموازنة للحكم بين جهتين، هي إما خلاص الشيعة من مشروع الخميني بعروبتهم، وإما استنزافهم بطائفيتهم.
بعد رحلة المنفى، دخل المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم إلى العراق من البصرة، وفي خطبته أمام الحشود التي استقبلته، بُحَّ صوته وهو يكرر بأن تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الحكم لا تصلح للعراق ولا تنسجم مع طبيعة نسيجه المتنوع. محمد باقر الحكيم الذي اختاره الخميني لزعامة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بعد محمود الهاشمي، جرفته السياسة الإيرانية، دخل دهاليزها وفهم حقيقة أهدافها، اعترض على تطبيق تجربة ولاية الفقيه في العراق فقتلوه.
وعندما سئل رجل الدين الشيعي المعروف أحمد الوائلي في لقاء مصور عن سبب رفضه لدعوة الزيارة الموجهة له من إيران، قال لأنه لا يريد أن يكون طرفا في مشروع، وزيارته إلى إيران ستفسر كتأييد للمشروع، لذلك فضّل البقاء في الكويت لأنه كان رافضا للمشروع الإيراني الذي حذّر منه كثيرا، ولو بشكل غير مباشر محافظا على تقليد مراجع الشيعة بإبعاد العوام عن الخلافات.
أما مفكر حزب الدعوة السيد غالب الشابندر فقد بكى على إحدى الفضائيات العراقية، متوسلا بالإمام خامنئي طالبا منه تعمير بغداد وحماية أرواح الشيعة. جاءت توسلاته ضمن جدل سياسي مع قيادي في المجلس الأعلى وآخر من التيار الصدري حول الواقع المأساوي للشيعة بعد هيمنة إيران على القرار السياسي في العراق. في النهاية إيران تقدم مصلحتها القومية على انتمائها المذهبي، وتتخذ من شيعة العراق قربانا لمشروعها.
ولأن ولاء التيارات السياسية الشيعية لإيران عقائدي لا سياسي يمكن التراجع عنه بسهولة، لا بد أن يكون موضوع الزيارات المتبادلة مع السعودية خاضعا لظروف فرضتها الحرب على الإرهاب وما رافقها من متغيّرات على الصعيد السياسي والميداني. متغيّرات ربما أدت إلى انقسام قيادات حزب الدعوة والمجلس الأعلى بين أتباع لمشروع ولاية الفقيه، وبين أصحاب توجهات وطنية فرضتها عليهم الإدارة الجديدة للبيت الأبيض. وقد تكون تلك الانقسامات مجرد محاولات متفق عليها لمواجهة الضغط الأميركي على إيران والجهات التابعة لها في الحكومة.
في كلتا الحالتين السعودية قوة لا يمكن للأحزاب التابعة لإيران تجاهلها، وموقفها من سياستها يعتمد على رغبتها بالحرب التي تصدرها إيران الخمينية للمنطقة، أو السلام الذي تسعى إليه السعودية دفاعا عن نفسها.
كاتبة عراقية