إبراهيم مشارة يكتب:

علي شريعتي بين محبيه والمتحاملين عليه

 

كنت أسمع به من خلال بعض الكتاب الذين أقرأ لهم وكنت

حينها غارقا في قراءات الإحيائيين كالأفغاني ومحمد عبده والعقاد ثم العقلانيين كزكي نجيب محمود وبرهان غليون وعلي حرب ومحمد أركون ونصر حامد أبي زيد والحقيقة أنني كنت ضحية الخطاب الدغمائي الذي يحذر من هذا الكاتب بسبب شيعيته ولكنني منذ بدأت في شق عصا الطاعة والخروج على ثقافة المجموع و قراءة أول كتاب "النباهة والاستحمار" والتي تقابل مصطلح"القابلية للاستعمار" عند مالك بن نبي ثم كتابه العظيم "دين ضد الدين" وكتابه:"مسؤولية المثقف" حتى رحت أفرح بقدوم الليل وسكون الأشياء لأتفرغ لنصوص هذا الشاب العبقري أستمتع بالقراء ة استمتاع العاشق بطيف محبوبه وجدت روحا إنسانية تدين بالإبراهيمية على الرغم من الاعتقاد بالمذهب الإثنا عشري ،رجل لا يكره أهل السنة بل يستشهد بكتبهم في بعض كتاباته ككتاب "محمد من الهجرة إلى الوفاة" ولا يضيق ذرعا بالصحابة ولا ينال منهم ومن حقه أن يحب حد العشق أبا ذر الغفاري فقد سمعت جارودي يثني عليه ثم هو حين يحلل التاريخ الإسلامي يثبت أنه تاريخ كتبته السلطة فأبقت ما يوافق ميولها وأقصت ما يخالف أفكارها التي تتمركز في الاحتفاظ بالسلطة وتوريثها، وأكثر ما شدني في الدكتور

علي شريعتي انفتاحه على الثقافة الغربية فقد نال الدكتوراه في علم الاجتماع الديني وجالس الفيلسوف جون بول سارتر وتبادل رسائل مع فرانس فانون وإيمي سيزار وساند الثورة الجزائرية ،لقد آمن شريعتي بالمقولة الخالدة "من لا معاش له لا معاد له" أي أن الفوز في الآخرة مشروط بالفوز في الدنيا اختراعا واكتشافا ومدنية وعدلا وهذا للأسف ما أخفق فيه المسلمون ونجح فيه الغربيون، لقد قال ماركس ذات مرة أن الدين أفيون الشعوب ويصادق شريعتي على هذه المقولة حين ينتقد وقوف رجال الدين إلى جانب السلطة وتبرير ظلمهم وعدم جواز الخروج عليهم والتعلق بمفاهيم دينية ذات تبرير فاسد كالصبر ، والزهد، والتعلق بالآخرة ، فيتحول الدين من قوة تحريرية إلى عقال يشد الإنسان إلى مذود اللإنسانية ساحقا كرامته وإنسانيته وقوته الخلاقة لصالح أنظمة فاشية رجعية توليتارية تحيط نفسها بحاشية من الإكليروس الديني الذي يزكي مفاسدها ورجعيتها وأكثر جرائم السياسة حين تخون المذاهب الأخرى وتحذر منها وتزكي مذهبها باعتباره الأصح والمالك للحقيقة والقيم عليها، لقد مات شريعتي مقتولا في لندن في أواخر السبعينات شهيد الحق والعدل والكرامة ولو عاش إلى اليوم لأنكر هجوم الشيعة على السنة ونعتهم لهم بالنواصب ولأنكر على السنة رفضهم للتشيع الجعفري المعتدل الذي لا ينكر خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا يجوز الاعتداء على كرامة الصحابة وقد كان الشيخ الأكبر محمود شلتوت شيخ الأزهر قد أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، وليس معنى هذا أنني أوافق شريعتي في كل ما جاء به فعنده قصور معرفي وتحيز ظاهر ولكنه مثقف مسؤول يعيش لأجل فكرة وقد قال مرة "إنه ليحزنني أن يموت المرء بالإسهال ويحرم من الشهادة" لقد حارب الشيعة شريعتي ونعتوه بالوهابي وحاربه" السافاك" وقتله غيلة في لندن وأقصاه أهل السنة لاعتقاده بالمذهب الإثنا عشري، وقل من قرأه واطلع على سعة علمه وعمق فهمه للإسلام وشجبه للتطاحن بين الشيعة والسنة الذي لن يخدم إلا الاستعمار لقد قال ابن رشد مرة "إذا رأيت فكرة باطلة وأردت ترويجها في الناس فغلفها بغلاف الدين" وما أكثر الأباطيل التي تروج بين الناس اليوم ولا سند لا من علم ولا حقيقة سوى ترويج رجال الدين لها ودهاقنة السياسة ممن جعلوا من الناس أنعاما يقودونها كما يشاؤون وأخيرا أنا سعيد لأن من أصدقائي عمر الخيام وابن رشد وأبي العلاء المعري ومصطفى محمود وفهد العسكر ونجيب سرور وعلي شريعتي ومالك بن نبي وجارودي وفلوبير وإديت بياف وأم كلثوم وهذه المملكة التي أنا من رعاياها لا قبل لأي سلطان على وجه الأرض بطمسها لأنها مملكة الشمس ، وحين تشرق الشمس تتبدد ممالك الظلام..