"انقلاب هادئ"..

تقرير تركي: أنقرة قد تتعامل مع الإخوان مثل تعاملها مع أقلية الأويغور

رجب طيب أردوغان

اسطنبول

طلبت السلطات التركية من وسائل الإعلام المصرية المعارضة التي تتخذ من اسطنبول مقرا "تخفيف النبرة" إزاء السلطات المصرية في ظلّ مساعي أنقرة لتهدئة العلاقات مع القاهرة بعد أعوام من التوتر.

ويثير هذا التحرك التركي أسئلة حول ما إذا كانت تركيا ستقوم في مرحلة ما بترحيل قادة جماعة الإخوان الذين استضافتهم في السنوات الأخيرة ووفرت لهم ملاذ وإقامة مريحة ومنصات للخطابة والتحريض على التطرف الديني.

ويقول مسؤولون أتراك عن هذا الأمر غير وارد وان تركيا لن تس  لم مصر مطلوبين من جماعة الإخوان المسلمين، لكن واقعة أخرى ليست على علاقة بالإخوان لكنها تحيل إلى وضع مشابه، حيث كشفت تقارير أن أنقرة تقوم سرّا بعمليات تسليم وترحيل أفراد من أقلية الأويغور الأتراك الفارين من القمع في الصين، إلى بكين نظير عقود استثمارات سخية وشحنات لقاحات مضادة لفيروس كورونا.

وقد تلجأ الحكومة التركية إلى الأسلوب ذاته مع قادة الإخوان على أراضيها نظير تقارب مصلحي مع مصر فيما تتوجس تركيا من تحالفات في طور التشكل بين خصومها في شرق المتوسط.

 
اقرأ المزيد من اليوم الثامن> تقارير: هل يسلم الرئيس التركي قادة "الإخوان" الفارين إلى مصر

ومصر تعتبر دولة وازنة في خضم التوترات القائمة في شرق المتوسط وقادرة على إحداث توازن وهو ما تبحث عنه تركيا التي تواجه ضغوطا أوروبية قد تتحول في القريب إلى عقوبات من شأنها أن تعمق جراح الاقتصاد التركي المتعثر.

وتحولت اسطنبول في الأعوام الأخيرة إلى "عاصمة" وسائل الإعلام العربية الناقدة لحكوماتها، لا سيما من الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي مثل مصر وسوريا واليمن وليبيا.

واستخدم النظام التركي هذه المنصات الإعلامية في مهاجمة خصومه ومن ضمنهم النظام المصري، فيما كانت العديد من البرامج على تلك الشاشات تحرض على العنف والانقلاب وشكلت سندا قويا لأجندة جماعات متطرفة.

وتستضيف المدينة التركية مكاتب ثلاثة تلفزيونات مصرية هي قناة الشرق الليبرالية ورئيس مجلس إدارتها المعارض أيمن نور وقناة الوطن التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وقناة مكملين المستقلة، لكنها مقربة من التيار الإسلامي المتشدد.

وأفاد أيمن نور بأنه أجرى الخميس لقاء مع ممثلين للسلطات التركية أعلموه خلاله "رغبة تركيا في تخفيف حدة نبرة وسائل الإعلام هذه" حيال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظامه.

وأضاف أن "اللقاء ركز على خطاب هذه الوسائل الإعلامية في سياق التصريحات الأخيرة المتبادلة بين تركيا ومصر"، مضيفا "من ناحيتي، اقترحت أن تتعهد وسائل الإعلام المعنيّة باحترام مواثيق أخلاقيات الصحافة".

ونفى أيمن نور تقارير صحافية أوردت أن السلطات التركية لوّحت بإغلاق وسائل إعلام مصرية معارضة أو طرد معارضين.

ولا يملك نور غير ما صدر عنه فأي معارضة للقرار أو أي موقف يخرج عن سياق ما تريده تركيا سيعرضه للملاحقة القضائية والترحيل، لذلك لا يمكنه أن يعلن صراحة أنه تلقى أوامر وليست مجرد نقاشات.

ونفى المعارض المصري نفيا قاطعا أن يكون قد هُدّد بغلق القنوات المناهضة لمصر وقال  "لم تطرح بتاتا إمكانية غلق تلفزيونات أو طرد صحافيين أو معارضين"، موضحا أن "اللقاء جرى بأسلوب حضاري ودون إملاءات".

وأفادت مصادر من المعارضة المصرية في اسطنبول بأن السلطات التركية طلبت من بعض وسائل الإعلام "إلغاء بعض البرامج والتخلي عن بعض المقدّمين"، لكن مصدر رفض ذكر اسمه قال إن "هذا المقترح رفض".

وتابع أن "الخيارات مفتوحة، بما في ذلك مغادرة اسطنبول والاستقرار في بلد آخر في حال فرضت علينا شروط لا يمكننا قبولها".

وتبذل أنقرة منذ أسابيع جهودا لترميم علاقاتها مع القاهرة بعد أن تدهورت منذ عام 2013 إثر عزل الجيش بقيادة عبدالفتاح السيسي حينها الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي.

ومرسي الذي توفي في السجن في يونيو 2019، هو أول رئيس مصري انتُخب ديمقراطيا وكان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين وحظي بدعم تركيا إبان فترة حكمه.

ونشبت في الأعوام الأخيرة خلافات بين القوتين الإقليميّتين حول ملفات عديدة، أبرزها ليبيا حيث دعمتا معسكرين متضادين.

وأعلنت تركيا في 12 مارس استئناف "الاتصالات الدبلوماسية" مع القاهرة للمرة الأولى منذ 2013، من أجل وضع حد لأزمة مستمرة منذ نحو عقد.

وأقر وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد الماضي بوجود اتصالات دبلوماسية، لكنه أكد أن التهدئة الكلامية وحدها "لا تكفي" لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، دعيا أنقرة لأن "تقرن أقوالها بأفعال".

من جهته نفى ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات نشرها الجمعة على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي اعتزام أنقرة طرد صحافيين أو تسليم معارضين إلى مصر.

وقال إن "تركيا لن تعتقل أحدا أو تسلّمه للقاهرة"، وإن كل ما طلبته السلطات من وسائل الإعلام المعنيّة هو ضبط خطها التحريري بما يتماشى مع الضوابط الصحفيّة المهنيّة العالميّة.

وتعتبر تصريحات أقطاي دبلوماسية أكثر من اللازم ولا يمكنه أن يفصح علنا عن خطط اردوغان في هذا الشأن خاصة وأن الأخير بنى شعبيته على أساس الاستقطاب ويشكل الإسلاميون العمود الفقري لقاعدته الانتخابية.

وأي تحرك باتجاه ترحيل قادة من جماعة الإخوان المطلوبين للعدالة في مصر أو إغلاق منصات معارضة للسيسي بما فيها منصات الإخوان، قد يكون قرارا مؤجلا إلى ما بعد انتخابات 2023 التي يخوضها الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية برصيد من الأزمات والتوترات والانقسامات.