الحرب في اليمن..
اليمن: أيهما أكثر كلفة الحل العسكري أم السياسي؟
لا تزال الحرب في اليمن لم تضع أوزارها، معارك شرسة تدور على خط التماس بين الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي).
منذ العاشر من أغسطس آب 2015م، تدور معارك شرسة في بلدات بيحان ومكيراس وكرش الحدودية التاريخية الفاصلة بين البلدين، قبل أن تقوم مليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس اليمني المعزول علي عبد الله صالح بقطع الطريق الواصل بين الشمال والجنوب (في بلدتي كرش ومكيراس) بالحجارة والإسمنت، ومنع أية تنقلات بين الشمال والجنوب.
كما أن معارك تدور رحاها في أحياء مدينة تعز اليمنية كبرى مدن اليمن الشمالي دون أن تحرز المقاومة أي تقدم يذكر.
الحرب في اليمن، بدأت بطابع طائفي، فالحوثيون الذين يعدون ما نسبته 12% من سكان صنعاء، دشنوا حروبهم ضد قوات الجيش اليمني في العام 2004م، وتكررت ست مرات، كان الرئيس اليمني المعزول علي عبد الله صالح يوقفها بالهاتف.
نجح الحوثيون إلى حد ما بالتوسع في بلدات متاخمة للعاصمة اليمنية صنعاء، قبل أن تشهد بلدة دماج التي كان فيها معارك بين طلاب سلفيين وبين الحوثيين على أساس طائفي.
قتل وجرح المئات من الطلاب الذين أغلبهم من اليمن الجنوبي والوسط.
ليتدخل الرئيس عبد ربه منصور هادي بوقف الاقتتال الطائفي وسحب الطلاب السلفيين إلى مدن الجنوب وتهامة.
كان الرئيس المعزول علي عبد الله صالح يستخدم الحوثيين لابتزاز دول الخليج وبالذات السعودية، من أجل الحصول على الدعم المادي والعسكري الذي كان يخزنه في مخازن خاصة به في بلدة سنحان مسقط رأسه.
وكشفت وثائق ويكليكس أن (صالح) كان يعطي الطيران السعودي الذي شارك في الحرب السادسة إحداثيات للقوات التابعة للفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها الجنرال علي محسن الأحمر، وهي قوات عسكرية كانت آخر ما تبقى من قوات الجيش الجنوبي المندثر، وقد تم ضمها إلى ألوية الفرقة الأولى مدرع وتم الزج بها في معارك بصعدة ضد الحوثيين، لقصفها على اعتبار أنها قوات حوثية.
وقتل عدد من قادة الأولية الجنوبية لعل من أبرزهم عمر العيسي والخضر الجعيملاني وضباط وقيادات عسكرية جنوبية أخرى.
وقال حينها عسكريون أن مقتل القيادات العسكرية الجنوبية في صعدة كان بسبب الخيانة.
في أكتوبر تشرين الأول من العام 2009م، كان العميد الركن عمر العيسي قائد اللواء 103 مشاة في الجيش اليمني، يتمركز في بلدة الكمب في صعدة ويقود المعركة من مركز عسكري مؤمن خلف قواته على بعد 1 كيلو متر من مواجهة الحوثيين، انطلق بمركبته الخاصة ومع حارس وسائق المركبة وحين قطع نصف المسافة تعرض لإطلاق قاذف آر بي جي من مسافة قصيرة ليلقى حتفه في الحال، في الوقت الذي كانت قواته تنتظر مجيئه في المقدمة.
لكن وسائل الإعلام الحكومية في عهد صالح، نشرت أخبارًا عن استشهاد العميد عمر العيسي بقاذف آر بي جي أطلقه عليه مسلحون حوثيون.
خبر استشهاد العيسي؛ الذي ينتمي إلى محافظة أبين، مثل صدمة للجنود الموالين له تسبب في انسحابهم من مواقع كانوا قد طردوا منها مليشيات الحوثي.
وجهت الكثير من الاتهامات لنظام صالح حينها بأنه كان يسعى لتصفية القيادات العسكرية الجنوبية في صعدة، خصوصًا مع ظهور الحركة السلمية في الجنوب والتي طالبت باستقلال اليمن الجنوبي، الدولة السابقة.
وعزز الجنوبيون تلك الاتهامات بسقوط طائرات عسكرية يقودها طيارون جنوبيون في صعدة وصنعاء.
قبل عامين التقيت العميد ركن طيار عادل الحالمي وأجريت معه مقابلة صحفية كشف فيها عن قيام نظام صالح بقتل عدد من الطيارين الجنوبيين بواسطة طائرات يقودها شماليون فوق سماء صعدة.
قال الحالمي حينها “إن صالح الذي كان يتحكم بكل شيء في اليمن ويستخدم سلاح الدول لتحقيق رغباته السياسية”؛ كان يقود القوات الجوية محمد صالح الأحمر قريب الرئيس المعزول.
وقد ارتكب صالح مجزرة شهيرة في الجنوب هي مجزرة بلدة المعجلة، حيث شنت طائرات يمنية عدة غارات على المعجلة بالتزامن مع قصف بحري بصواريخ كروز، مما تسبب في سقوط عشرات الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ في 17 ديسمبر كانون الأول 2009 م، وتفجير مصنع الذخيرة في أبين، عقب نقل معدات المصنع إلى معسكر السواد في العاصمة اليمنية صنعاء، وقد تسبب انفجار المصنع في استشهاد أكثر من 200 مواطن أغلبهم نساء وأطفال من سكان بلدة الحصن في أبين. وتسليم زنجبار أبين لعناصر ادعت انتماءها لتنظيم القاعدة.
وليس هناك أي تفسير لما حدث في أبين من مجازر إلا أن (صالح) أراد أن يقول للجنوبيين أن لديه القدرة على إشعال الحرب في بلادكم في حالة أصريتم على الذهاب نحو الانفصال.
والشيء الآخر أنه أراد ابتزاز الغرب بأن في الجنوب قاعدة وإرهاب، من أجل مواصلة الدعم الأمريكي، في حين كان يبتز دول الخليج العربي بالحوثيين الشيعة في الشمال.
خروج صالح من الحكم، دفعه لكي يعد العدة لاجتياح الجنوب مرة أخرى، خصوصًا وأن جماعة الحوثي بات لها ثقل كبير في البلاد، فالحكومة اليمنية التي رأسها هادي، قدمت اعتذارًا للحوثيين عن الحرب التي شنها نظام صالح ضدهم، ومنحهم مقاعد للمشاركة في مؤتمر الحوار في العام 2013م.
شعر صالح بخوف من أن يتمكن الحوثيون من مقاليد الأمور في صنعاء ويطيحوا به خصوصًا وأن أغلب رموز الجماعة الشيعية يعدون صالح بأنه مجرم حرب في أهالي صعدة وأراد إقحامهم في حرب مع الجنوبيين من أجل استنزاف الحوثيين وخلق أطراف معادية لهم حتى يتسنى له ابتلاعهم والعودة لحكم اليمن مرة أخرى عن طريق نجله.
وكان من بين تلك الأصوات المعارضة للرئيس المعزول الصحافي اليمني عبد الكريم الخيواني، وقد سبق لصالح أن زج بالخيواني لسنوات في السجن بتهمة التحريض على النظام الجمهوري والتخابر مع دولة أجنبية.
لكن الخيواني وقيادات حوثية بارزة، اغتيلوا في صنعاء وتم تسجيل الجناة كمجهولين، ناهيك عن وقوع تفجيرات في تظاهرة للحوثيين وسط شارع السبعين في العاصمة اليمنية صنعاء في أكتوبر من العام 2014م.
ورجح مسؤولون يمنيون عقب بث مكالمة مسربة بين صالح وقيادي حوثي “أنه هو من يقف خلف تفجيرات السبعين لدفع الحوثيين لمواجهة الرئيس هادي”؛ خصوصًا وأن صالح كان قد أكد لقيادي حوثي يدعى عبد الواحد أبو رأس أن من يقف خلف تفجيرات السبعين هو جلال نجل الرئيس هادي.
المكالمة التي تم تسريبها أتت عقب تفجيرات أكتوبر 2014م، وهو ما يعني أن صالح أراد من خلالها دفع الحوثيين للقتال ضد الرئيس هادي.
في يوليو تموز 2014م، دشن الحوثيون حربهم في معقل جماعة الإخوان المسلمين الذين وقفوا ضد الجماعة لأسباب دينية لكن ونتيجة للسياسة الزيدية في أقصى اليمن الشمالي انهزم الإخوان في معركة عمران، وعادوا لفتح حوارات سياسية مع جماعة الحوثيين وعلي عبد الله صالح.
في مارس آذار 2015، اجتمع الرئيس المعزول بشخصيات من تعز في صنعاء وهدد باجتياح الجنوب وتشريد القيادات الجنوبية إلى الخارج عبر منفذ وحيد هو البحر الأحمر إلى جيبوتي.
ودفع صالح بقوات النخبة في القوات الخاصة والحرس الجمهوري للمشاركة مع مليشيات الحوثي في الحرب على الجنوب، التي وقف شعبها صفًا واحدًا رغم الخيانة العسكرية في صفوف القادة الذين كانوا يظهرون لهادي الولاء ويبطنون العداء والخيانة.
الجنوبيون قدموا تضحيات جسام في سبيل طرد الوجود الشمالي في بلادهم، والذي كانوا ينظرون إليه من سابق بأنه احتلال متجدد لبلادهم.
انتصر الجنوبيون بفعل الدعم العسكري واللوجيستي من قبل دول التحالف، وانتصرت دول التحالف بفعل الحاضنة الشعبية لدول التحالف العربي في اليمن الجنوبي والرفض الشعبي لمليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع.
انتصر الجنوبيون بسبب أنهم قاتلوا تحت راية دولتهم التي كانت قائمة إلى مايو آيار 1990م، وهو العلم الوطني الذي وحدهم تحت لواء المقاومة الجنوبية الشعبية.
لكن عقب تحرير الجنوب من مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المعزول ودفعها إلى الحدود السابقة، كشف عن عدم وجود مقاومة حقيقية في محافظات اليمن الشمالي الأمر الذي يعني أنه لا يوجد ما يسمى بالبيئة الصديقة لقوات التحالف العربي في تلك المناطق، ولعل الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق الجنود الإماراتيين في صافر في مأرب، خير دليل على ذلك.
كل المؤشرات تقول أن ما حصل في مأرب يوم الجمعة الرابع من أغسطس أيلول 2015م، كان نتيجة خيانة من قبل بعض القيادات المحسوبة على الإخوان، بحجة أن الإحداثي أعطى المعلومات بشكل دقيق، مكن مطلقي الصاروخ من إصابة الهدف وبدقة عالية، مما دفعهم بالتباهي أنهم حققوا انتصارًا على قوات التحالف العربي.
تخوفات جمة تواجه قوات التحالف العربي في ظل الخيانات المتواصلة من قبل قيادات عسكرية زيدية، وهو ما دفع الحكومة اليمنية إلى خوض تجربة أخيرة لمساعي المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ في سلطنة عمان، لتطبيق قرار الأمم رقم 2216، لكن الحل السياسي الذي قد يبقي صالح في اليمن مع احتمالية أن يعيد ما أنتجته الحصانة السابقة خصوصًا وأن قيادات الجيش التي تزعم بموالاتها لشرعية الرئيس هادي لديها مصالح تربطها بالرئيس المعزول ناهيك أن الولاء في اليمن الشمالي في الغالب يكون للقبيلة والمذهب، على عكس اليمن الجنوبي، المستعمرة البريطانية السابقة.
الحل السياسي، إذا تضمن إجبار صالح وزعيم الحوثيين على تسليم نفسيهما لمحكمة الجنايات الدولية قد يضع حلًا جذريًا لمشاكل اليمن، لكن هذا مستبعد بعض الشيء فصالح والحوثي لا يزالان يحظيان بشعبية كبيرة وحاضنة اجتماعية تمتد على مساحة واسعة من اليمن الشمالي والذي يعرف بإقليم آزال وهي قبائل زيدية، عرف عنها عداؤها للمذهب الشافعي على مدى القرون الماضية.
أعتقد أن الحل العسكري هو الأفضل في حالة استحالة الحل السياسي والذي يبدو مستبعدًا في ظل تعنت الحوثيين والرئيس المعزول.
أرى أن على دول التحالف عدم الزج بقواتها في محافظات اليمن الزيدية، أقترح أن تدفع بقوات الجيش الموجودة في سيئون فهذه القوات وقفت طوال الحرب على الحياد، وزعم قائدها اللواء الحليلي أنه مع شرعية الرئيس هادي.
هناك وحدات يمنية وقبائل تزعم أنها مع الشرعية فعليها أن تتقدم لتحرير صنعاء بقيادة المقدشي، الذي حصل على دعم كبير جدًا، من دول التحالف.
أما الزج بقوات التحالف العربي في معركة قد يشارك فيها كل سكان اليمن الشمالي ليس دفاعًا عن صنعاء وإنما لنهب الأسلحة.
وقد تتعرض قوات التحالف للخيانة والمكر من الخلف في حالة لم يتم كسب القبائل أو على الأقل تحييدها.
معركة صنعاء دقيقة وحساسة جدًا، وأعتقد أن دول التحالف العربي سوف تدرسها من جميع الجوانب، وأتمنى ألا تثق كليًا في أية ولاءات زيدية، فما حدث للجيش المصري في ستينيات القرن الماضي عبرة لدول التحالف العربي.
نشر في