د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

مواقف إنسانية لملوك ورؤساء

المواقف الإنسانية لها أشكال عديدة ومتنوعة، تثبتها الأفعال النبيلة، والعطاءات الجميلة، يتساوى فيها الرئيس والمواطن ، الملك والإنسان ، فصناعة بسمة على شفاه البائسين والحيارى لتبعث في أرواحهم الحياة من جديد، وزيارة مريض لم يزره أحد منذ سنوات طويلة وعون أرملة تعيل قصر ومعاقين، ومساعدة يتيم، وقضاء حاجة معسر، وفك سجين، وإغاثة ملهوف، كل هذه تعد أعمالاً عظيمة وكبيرة وخالدة، أن أصحاب المواقف الإنسانية يحملون بريقًا من النقاء، ولمعانًا من البهاء ،إن هناك من يزخر التاريخ الإنساني بأفعالهم الإنسانية، وتظل مواقفهم راسخة في ذاكرة التاريخ ، لقد وهبوا أنفسهم بصمت  للعمل الإنساني وتطلعات المحتاجين . إن الذي يعمل من أجل الإنسان، يصبح عظيمًا ومقدرًا ومحبوبًا، وما أجمل الإنسان الذي يعيش بين الناس ويتفاعل معهم، ويشغل نفسه بهمومهم واحتياجاتهم وقضاياهم، يأنس لفرحهم، ويغتم لألمهم، ويشاركهم الأشياء كلها بلا زيف ولا نفاق ولا خداع.
ونقدم اليوم للقارئ الكريم ثلاثة مواقف إنسانية وهي :
أبرز المواقف التى توجت الملك فيصل ، فكان موقفه إبان حرب أكتوبر 1973م ، حينما قرر مع العديد من الدول العربية قطع الإمدادات البترولية عن أمريكا وا وربا  الداعمة لإسرائيل وقال جملته الشهيرة "عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود إليهما".
في يوم الثلاثاء الموافق 25 مارس 1975أقدم الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود ابن أخو " الملك فيصل"  على قتله بإطلاق الرصاص عليه وهو في مكتبه بالديوان الملكي حين كان يستقبل وزير النفط الكويتي عبد المطلب الكاظمي.
ولم يعرف الدافع الحقيقي وراء مقتله إلا أن الكثير من التكهنات ترى أنه جاء بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية المتضررة من قراره أوائل السبعينات بقطع البترول عن الدول الداعمة لإسرائيل ووقوفه بجانب دول المواجهة "مصر وسوريا ولبنان والأردن" في حرب أكتوبر 1973 .

عبد الناصر ولي أمرها وشاهد على عرسها !!

القصة بطلتها فتاة اسمها فاطمة عيد سويلم من إحدى قري محافظة المنصورة، يتيمة الأبوين، ربتها عمتها التي لم يكن عندها أولاد. وعندما كبرت وأصبحت في سن الزواج، تقدم لخطبتها شاب من القرية، لكن أمه رفضت لأن البنت يتيمة ولا عزوة لها. فتأثرت البنت، و ذهبت إلى عمدة القرية، راجية منه أن يكون وكيلها عند عقد قرانها، فسخر منها، ذهبت إلى مأمور المركز أيضا، فرفض . فكتبت إلى جمال عبد الناصر تشرح له قصتها، و ترجوه أن يطلب من العمدة أن يكون ولي أمرها.
كانت عادة الراحل الرئيس عبد الناصر أن يقرأ بنفسه الرسائل التي تأتيه من الناس، ويطلب من سكرتيره الشخصي محمود الجيار حل أي مشكلة. لكنه عندما قرأ رسالة فاطمة، أتصل بمحافظ المنصورة، و طلب منه أن يذهب إلى القرية حيث تسكن الفتاة، و يأخذ معه عددا من شخصيات المحافظة و يطلب من العمدة نصب شادر فرح و ينتظر هناك ومن معه، لأن مندوبا من رئاسة الجمهورية سيحضر في ذلك اليوم بعد صلاة الظهر.
ثم اتصل عبد الناصر بشيخ الأزهر و طلب منه الحضور الى القصر الجمهوري صباح ذلك اليوم. و كان محمود الجيار قد اشترى قطعة ذهب بقيمة 25 جنيها دفع عبد الناصر ثمنها من جيبه الخاص. وعند صلاة الظهر كان عبد الناصر وشيخ الأزهر ومحمود الجيار أمام بيت العمدة. وعندما ترجل من السيارة صعق المحافظ ومن في صحبته. و طلب عبد الناصر من العمدة شخصيا أن يذهب ويحضر الفتاة ، وخطيبها و أمه. ووقف عبد الناصر وقال للشاب أنا وكيل وولي أمر فاطمة، فهل تقبل زواجها ؟؟
تم عقد زواجها ، الوكيل عبد الناصر، والشاهدان محمود الجيار ومحافظ المنصورة، والمأذون شيخ الأزهر.
الملاحظ في الواقعة انه حتى الهدية لم تكن من خزينة الدولة، ولم يأخذ معه وزير التضامن مثلا او مؤسسة التكافل أو فوجا من رجال الإعلام حتى ينال الثناء والمدح ، هكذا كان عبدالناصر وكانت دولته وحكومته ومحافظوه ..

 
قصة العشر تفلات

يروى عن الزعيم العراقي الراحل
عبد الكريم قاسم المولود في بغداد عام 1914م من رجل سني وأم شيعية وهو ضابط عسكري ورئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع بالوكالة من العام 1958م حتى العام 1963م...ويعدُّ أول حاكم عراقي بعد الحكم المَلكي وأحد قادة ثورة 14تموز / يوليو ..أنه كان في زيارة لحي الأعظمية في بغداد...
اقترب من سيارته صبي وسط الناس المتجمهرة والتي تهتف وتصفق له ..
بصق الصبي على زجاج السيارة المفتوح فوقعت التفلة على وجه الرئيس...ركض الصبي هارباً ... وركض مرافقي الرئيس خلفه حتى أمسكوا بهش واقتادوه للرئيس..
نزل الرئيس من سيارته فرأى طفلاً يرتدي ثوباً ممزق وحذاء بلاستيك كل فرده لون، فردة لصبي والأخرى لأنثى ..
فسأله الزعيم لماذا بصقت عليّ !.؟ فلم يجيب الطفل أو يتكلم  ..
ثم سأله : لماذا ملابسك ممزقة وحذائك كل فردة شكل ..
فقال له الصبي: أمي جابتهم لي من الزبالة...فسأله الرئيس وين أبوك !.؟ فـرد الصبي إستشهد لما راح وياك على حرب فلسطين ...
هنا تجمد الرئيس قاسم برهة ، ثم  إستشاط غضباً أخاف كل من حوله من جمهور ..وصرخ  بالصبي قائلاً :
أريد منك تسع تفلات أخرى على وجهي حتى تصير عشرة لأني أستأهلها ..فرفض الصبي فعل ذلك ..
أمر الزعيم مرافقيه إدراج اسم هذا الصبي وأخته فوراً بالمدارس الخاصة على أن يتكفل هو بمصاريفهما...
وأمر فوراً بإيجاد عمل شريف يليق بأم هذا الصبي...بعد أن أعطاه كل ما هو موجود في جيبه من بقايا راتبه ...يقال: لا زال أهل الأعظمية يتذكرون ذلك الموقف ويتناقلون هذا الحدث ..
كم من تفلة وتفلة يستحقها نواطير وطواغيت هذه الامه...
وكم تفلة نستحق لإهمالنا الجرحى واستباحة اعراض الشهداء والرقص على جراح المصابين والمشردين   ...!.؟
آه وألف آه على آلاف الأيتام والحفاة والعراة والجائعين في زمن يتحكم فيه الرُعاع والفاسدين ومستفيدي الثورات من السيطرة على موارد البلاد وممتلكات العباد بالإثم والعدوان !!!
د. علوي عمر بن فريد