أحمد عبداللاه يكتب لـ(اليوم الثامن):

إعلاميون سعوديون.. خطاب متطرف تجاه الجنوب

برلين

يقول محلل سياسي سعودي "إن المجلس الانتقالي يشكل خطراً جيوسياسياً على أمن منطقة الخليج لأنه يتمثل دولة الجنوب الشيوعية"، على حد وصفه!

تمعّن عزيزي القارئ.. لا أحد في الغرب أو الشرق، وليست اسرائيل، ولا إيران أو أنصار الله، ولا العثمانية الجديدة أو التنظيم الدولي للإخوان ولا حتى تنظيم القاعدة، بل المجلس الانتقالي. وبالتأكيد ليس المجلس بذاته و صِفَته إنما مشروعه السياسي. أي لا شيء يعكر صفو حياتهم سوى أن يحقق الجنوبيون تطلعاتهم. لأنهم إن فعلوا تتعطل الرؤية ٢٠٣٠، ولن يكون هناك وول ستريت بدلاً من سوق عكاظ ولا يمكن للافلاج بأن تتمتع بتوأمة هيكلية ومشاعر جغرافية متقاربة مع لاس فيجاس. ليس هذا فحسب بل أن الدولة الجنوبية ستمنع كثبان الربع الخالي من أن تستضيف بحيرة سفيتلو، مأوى البجع، أو تحويل "صخرة النصلة" المشطورة الى سفينكس بملامح زجاجية وهو يحمي "المدن الذكية".

عجيب بالفعل هذا الخطاب الإعلامي الجارح. والأعجب منه أنّ هذا المحلل لا يرى من حركة التاريخ شيئاً، منذ قوم عاد حتى نهاية عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، سوى فرضيته الثابتة بأن "الجنوب يشكل خطر"، مستعيناً بعبارات كان يرددها تيار الأفغان العرب وقيادات دينية في حزب الإخوان اليمني خلال حرب ٩٤ عن "الماركسيين و الشيوعيين الملحدين الذين يجب قتالهم".

هذا الاصطفاف اللصيق بين هؤلاء الإعلاميين السعوديين واعلام الاخوان "المنفلتين" ولغة تنظيم القاعدة يثير كثير من التساؤلات! هل ينطق هؤلاء عن الهوى أم يقال لهم "قولوا وتبحبحوا في الردح"؟ وهل ترديد مثل ذلك التوصيف الإعلامي يشير إلى الجذور المشتركة مع فكر التنظيمات المتطرفة و رواسب الخطاب الصحوي في المملكة؟ ذلك الخطاب الذي لم يمنعها من "التغريب" بسبب الإصلاحات المفترضة، لكن ارتداداته ماتزال عميقة في وعي نخب يعتبرون مفكرين ومحللين سياسيين بمقاييس "إعلام الرياض".

ماذا إذن عن السياسة الخارجية للمملكة خاصة وأن سفيرها يردد بأن القضية الجنوبية قضية كبيرة ومهمة وشأن داخلي بين اليمنيين؟ وماذ عن مصالحها الاستراتيجية وهل يتم بلورتها انطلاقاً من هذا الخطاب الذي يقدمه مفكرو اعلام الرياض؟ ومن يخدمون؟ هل يخدمون السعودية أم إخوان اليمن أم يخدمون انصار الله؟

أسئلة يتعين على صانعي الإعلام في قنوات المملكة توضيح ذلك، فالسعودية ليست دولة  تتعدد فيها الآراء حول قضايا هامة تتمحور في مجالها الحيوي. هذا إذا افترضنا أن المملكة تتعامل مع الجيران كقوة عظمى تحت التدريب بعد أن قدمت نفسها قائدةً للتحالف منذ ٩ سنوات. هل استعداء طرف مهم في خارطة الصراع في اليمن، وقوة كبيرة على الأرض و شعب بغالبيته المطلقة، يخدم أهداف التحالف؟

أرأيت، عزيزي القارئ، أي بلاء يأتي من بعض إعلاميين في الجوار؟ الذين قيل لملوكهم يوما ما وبعفوية مفرطة "اضربوا بنا البر والبحر فإنا معكم و نذرنا حياتنا لمشروعكم العربي".
وأي مشروع يا اخوة العرب يقوده من يقدم حلفاءه قرباناً في أول صفقة!

أتدري عزيزي القارئ لماذا يصف بعض المحللين السعوديين أهل الجنوب ونُخَبِه ب"احفاد الماركسيين" مثلما فعل "الأفغان العرب" في ٩٤ وتفعل "القاعدة" اليوم؟ إنها العقيدة المتطرفة وليست الجاذبية القصوى التي يتمدد بداخلها الزمن ويكسبهم صفة الجمود. وهذا المفتي السياسي بالذات ليس خردة فضائية طائشة سقطت، وإنما يمثل طيفاً واسعاً من إخوان المملكة الذين سيطروا يوما ما على التعليم والإعلام وأجهزة مهمة في الدولة العميقة، وهو نموذج تحتفي بحضوره الشاشات ويتحدث باسم بلده.  

التفاحة إذن لا تسقط بعيداً عن الشجرة، والبصمة الكيميائية للجنة الخاصة السعودية واضحة القسمات إذ تتساوق الأشياء بمنطق واحد: محاولة التجزئة والحملات الاعلامية وخنق المجتمع الجنوبي. أي أنهم يسعون إلى تقطيع البلد لا لهدف يخدم أمنهم وإنما هي متلازمة "شايلوك" التي  تبديها لغة هذا الإعلامي. فإن لم تسدد "فاتورة تحالفهم" عن طريق الامتثال المطلق يقطعون من لحمك.

بهذا تكتمل غرائب وعجائب عاصفة الحزم وتقدم نموذجاً جديداً في تاريخ الصراعات بمنطق درامي وليس سياسي. حيث يصبح الحليف خطراً و الخصم سيداً مصاناً و شريكاً محتملاً تُفتح له كل الأبواب التي يطرقها.

 ٢٣ يوليو ٢٠٢٣