عمر علي البدوي يكتب:

السعودية.. أبعد من مجرد ترفيه

أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، الثلاثاء بالعاصمة الرياض، إطلاق استراتيجية جديدة تهدف إلى جعل المملكة من بين أول أربع وجهات ترفيهية في منطقة آسيا، وبين أول عشر على مستوى العالم.

دفقة جديدة جادة في مفردة الترفيه التي أضيفت إلى قائمة المفاهيم المتصلة بحياة السعوديين، كان العام الماضي أول فرص اللقاء بين المفردة وحمولاتها، وبين المجتمع المتعطش إليها وإلى نتائجها، وقد كان عامرا بالمناسبات ومسرحا سخيا بالتجارب.

خلال إحدى جلسات منتدى دافوس 2019 قال محافظ الهيئة العامة للاستثمار في السعودية، إنه و”خلال العام 2018 فقط تأسست 500 شركة ترفيهية، وفرت أكثر من 20.000 فرصة وظيفة، كما قدمت هيئة الترفيه أكثر من 3200 يوم من الفعاليات الترفيهية لأكثر من 19 مليون زائر، وكل دولار استثمر فيها تضاعف”.

اليوم يبدأ مشوار جديد في هذا المسار، أكثر شمولية واتصالا بمنتجات المجتمعات العصرية في الشق الترفيهي، وملامح نقلة نوعية في هذا المجال الحيوي. لماذا الترفيه مهم ومختلف في بلد مثل السعودية؟ لأنه يشكل أكثر من مجرد ساعات للفرح والأنس والتسلية، ويلعب أدوارا محورية في صلب عملية التغيير وتحريك الأوساط الراكدة في دوائر المجتمع، ويوفر الأرضية لبناء دولة حديثة ومستوعبة لشروط المرحلة المقبلة التي تنوي أن تذهب باتجاهها السعودية، ولن يتحقق ذلك قبل تطوير نوعية الحياة الممكنة فيها، دون أن يمس ذلك بطبيعة المجتمع ولا هويته كما يروج صناع الهواجس ومروجو الريبة من كل شيء، كل ما في الأمر أن تتعدد الخيارات وتُصنع البدائل في حدّها المعقول. إذ كانت قطاعات كبيرة من المجتمع تستهلك هذه الخيارات خارج حدود البلاد، الأمر الذي يجعل الأمر مكلفا ومستنزفا، ويؤخر اندماج الدولة مع محيطها الطبيعي.

لا يشكل الترفيه مجرد اجتهادات لسد ثغرات كانت موجودة في جدار الواقع والاهتمام الحكومي، بل يحتلّ أهمية كبيرة في سلم أولويات الحكومة السعودية. ويأتي الترفيه كركيزة في وعي القيادة لإدارة المشهد المحلي، وتجسيدا لموقعه الأصيل من رؤية المملكة 2030 التي تمثل التعبير الرسمي عن فلسفة العمل واتجاهات التفكير لدى الدولة.

قطاع الترفيه مهم، توليه قيادة المملكة كل الاهتمام لتحقيق الأهداف المرجوة منه لتطوير مستوى الحياة في المملكة، إلى جانب مساهمته الفاعلة في دعم عجلة الاقتصاد. كما أن له نتائج اقتصادية واستثمارية، قد لا تبدو آثارها قريبا، لكنها على المدى الطويل ستمس ثقافة العمل لدى قطاعات المجتمع وتفتح آفاقا للمنافسة، وربما خرج من دائرته المحلية ليقود مشاريع ريادية واقتصادية على مستوى الإقليم والمنطقة بفضل الشهية المفتوحة التي انطلقت هذه الأيام.

يساعد النشاط الترفيهي وحجم التفاعل الشعبي الكبير الذي يبدو في مناسباته المختلفة، على الترويج للسعودية في مرحلتها الجديدة، ويفتحان عيون العالم إلى هذه الجغرافيا المتطلعة، وهي تمدّ يديها إلى العالم ليشاركها لحظتها الدقيقة للتحول.

وتسعى الهيئة السعودية العامة للترفيه في هذا السياق إلى العمل على تعزيز موقع المملكة التنافسي في قطاع الترفيه العالمي، لتكون من بين أول أربع وجهات ترفيهية في آسيا وبين أول عشر على مستوى العالم. هل يعمل “الترفيه” كأداة للتغيير الاجتماعي؟

بالفعل، ففي كثير من الأحيان يقوم الترفيه بدور محرك للواقع الاجتماعي ويرفع من حساسيته تجاه الأفكار الجديدة ونوعية الحياة العصرية وتسامحه مع الوافدات الفكرية التي تنطوي عليها أنشطة الترفيه.

كما يساعد في تفكيك حالة الاحتباس بعد سنوات من التشدد والانغلاق، حيث كان على المجتمع خلال تلك السنوات أن يتحمل أعباء ما تمر به الأمة من معاناة، وينوء بضغوط ثقافية تفترضها فكرة خيالية عن خصوصية جغرافية وتاريخية، ولا تأبه بكونه مجتمعا طبيعيا لديه حاجاته وتعوزه رغباته الخاصة، وسيختل نظامه عند حرمانه منها.

تبقى بعض التحفظات الاجتماعية التي لا تخفى على واقع معتدّ بتراثه وأصالته ولا يتحمس لفرص الانفتاح والتنوع الجديدة، تختلط بأفكار تتسم بمواقف صارمة ونظرات مشوشة عن ابتذال الترفيه. ويتم توظيف هذه الخلفية الاجتماعية المرتابة من جديد الترفيه، في ابتعاث خطابات حرّاس التشدد والنفخ في المبالغات الأيديولوجية وتوجيه التهم المخزونة بالتشكيك تجاه فرص الترفيه.

لكن الدأب في هذا الطريق وخلق الخيارات الممكنة لكل الاحتياجات، سيساعدان في تعزيز حالة التنمية، وتحفيز المجتمع لمواجهة المرحلة الجديدة، وسيفتحان نوافذ الحياة التي تطلّ عبر قطاع الترفيه وإمكانات إعادة ضبط سوية المجتمع بما ينسجم مع محيطه، وتكثيف مرحلة التغيير الراهنة.