ترجمة..

تسييس الأزياء.. هل توجد علاقة بين الموضة والسياسة؟

حاول أندرسون تغليف عارضيه وإخفاءهم عن العالم الحالي (من مجموعة J.W. Anderson الأخيرة)

رؤية الإخبارية

عندما انتشر خبر أن الفستان المصنوع من الكشمير ذي اللون الأزرق الفاتح الذي ارتدته "ميلانيا ترامب" أثناء حفل تنصيب دونالد ترامب رئيسًا، كان من تصميم "رالف لورين"، أثار ذلك ضجة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي. هل كانت تقلّد عن عمد جاكي كيندي؟ لماذا اختارت المصمم رالف لورين؟ ولماذا وافق على ذلك؟ كانت الأسئلة سريعة وكثيرة، لكن الرسالة الأبرز من هذه الضجة التي ثارت على وسائل التواصل الاجتماعي كانت كما يلي: الموضة يمكن أن تكون ذات طابع سياسي.

إن الفكرة بالطبع ليست بالأمر الجديد. في الواقع، استخدم المصممون لعقود ملابسهم للتعبير عن مواقف سياسية، مثل المصممة كاثرين هامنيت. التي ذاع صيتها في الثمانينيات بفضل تي شيرتاتها المطبوع عليها شعارات "السلام" و"حظر الأسلحة النووية حول العالم الآن" وشعارها الأكثر شهرة "اختاروا الحياة" (وهو للتوضيح شعار ضد الحرب والموت، وليس له علاقة بمناهضة الإجهاض). قالت كاثرين هامنيت ذات مرة: "لو أردت أن توصل رسالة إلى الناس، ينبغي لك أن تطبعها بحروف عملاقة على تي شيرت".

بالمثل، صمّمت "فيفيان ويستوود" تيشيرت مطبوعًا عليه شعار: "أنا لست إرهابيًّا، رجاءً لا تعتقلني" ردًا على تشريع مُقترح لمكافحة الإرهاب عام 2005. في عام 2013، أطلقت دار "غوتشي" للأزياء حملة عالمية بعنوان: "قرع الأجراس من أجل التغيير" (Chime For Change)، لزيادة الوعي وجمع الأموال لصالح مشاريع عالمية هدفها دعم الفتيات والنساء.

 وكانت "ستاسي بينديت"، التي صممت خط الأزياء Alice+Olivia قد ارتدت تنورة مكتوبًا عليها "أنا معها" أثناء عرض لخط أزيائها في نيويورك في سبتمبر الماضي، وكان ذلك الشعار بمثابة رسالة دعم لهيلاري كلينتون في حملة الانتخابات الرئاسية، كما ارتدى المصمم "أشيش غوبتا" تيشيرت يحمل كلمة "مهاجر" أثناء عرض لخط أزيائه في "أسبوع الموضة في لندن"، وهي رسالة واضحة مناهضة للبريكست. 

لهذا، يمكن القول إن مصممي الأزياء ليسوا بعيدين عن إقحام رسائل سياسية في ملابسهم. الآن دعونا ننظر إلى هؤلاء المنخرطين بصورة مباشرة في السياسة. ربما تظن أن مبادئهم وسياساتهم هي ما تهمّ حقًّا، لكن لا، فما يرتدونه غالبًا ما يوصف بأنه يكتسي نفس القدر من الأهمية.

فلنأخذ جاكي كيندي مثلًا، فهي أصبحت أيقونة عالمية للموضة أثناء السنوات التي كانت فيها سيدة أمريكا الأولى، إذ ارتدت حينها ملابس معظمها من تصميم "أوليغ كاسيني"، بالإضافة إلى قطع مختارة من تصميم "شانيل" و "ديور" و"غيفينشي". بتنورتها الشهيرة التي تصل للركبة، والسترة القصيرة، مضاف إليهما قبعة صغيرة مستديرة، أصبحت طلّة "جاكي" صيحة بارزة في مجال الموضة للعالم الغربي؛ ألا يجعلكِ هذا سيدة مؤثرة, خاصة عندما يكون زوجك هو الرئيس؟

والأمر ذاته إنطبق على "ميشيل أوباما". مثال على ذلك، مَن منا لم يسمع عن فستان دار "أتيلييه فيرساشي"، الذي ارتدته في آخر عشاء رسمي لها بوصفها السيدة الأولى ؟ وكما كتبت صحيفة نيويورك تايمز "الفستان مصنوع بلون الذهب الوردي، وهو ذات ثنيات عند الخصر. بالإضافة لكون الفستان مجعّدًا ومقصوصًا بطريقة أنيقة، فإنه كان يوحي بالصلابة والقوة الأنثوية، ويعبّر عن ضرورة أن يعدّ الإنسان نفسه للقتال من أجل ما يؤمن به". ألا يُعبّر ذلك عن موقف سياسي؟

إن ارتداء هيلاري كلينتون لبدلة بيضاء عند إلقائها خطاب قبولها الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، وأثناء حضورها حفل تنصيب دونالد ترامب رئيسًا، كان بمثابة إشارة رمزية للنساء المطالبات بحق التصويت للمرأة، اللاتي ارتدين اللون الأبيض.

على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، لدينا ملكة بريطانيا، كم من عمود صحفي خُصص لاختياراتها الخاصة بالأزياء على مدار السنوات الماضية، وكم هو مهم أنها تنجح دومًا في ارتداء الأزياء المناسبة؟ كتبت صحيفة الغارديان في العام الماضي أثناء حفل عيد ميلاد الملكة التسعين، أن "ملابس الملكة إليزابيث كانت بمثابة درعها، وكانت مصممة للتعبير عن القوة والوقار الملكي، بوصفها رمزًا وطنيًا". ما الذي نريده أكثر من ذلك من خزانة ملابس رئيس دولة؟ 

 ارتداء ملابس فاخرة تحمل اسم مصمم شهير، نحن نشتري تلك الملابس الفاخرة لأنها تساير الموضة وذات جودة أعلى مقارنة مع الملابس التي لا تحمل اسم مصمم شهير، ولكن أيضًا لأنها تجعلنا نشعر أننا مميزون. إن ارتداء ملابس فاخرة يرمز إلى المكانة الاجتماعية؛ أليس هذا مرتبطًا بالسياسة؟ 

في المقابل، ماذا عن ارتداء الملابس العادية التي نشتريها من محلات الملابس؟ هل هي مرتبطة بالسياسة؟ نعم؛ لأن الناس الذين يصنعونها يعملون غالبًا في ظروف عمل بشعة، ويكسبون أقل من الحد الأدنى للأجور- مثل الثمانية آلاف عامل كمبودي الذين قيل إنهم أُصيبوا بالإعياء في السنوات الستة الماضية وهم يصنعون ملابس لحساب شركة H&M. تلك فكرة مزعجة، لكن شراء ملابس مقابل أسعار زهيدة، ربما يجعلنا داعمين للأعمال التي تتجاهل حقوق الإنسان الأساسية لأفقر الناس على الأرض.

ماذا عن ارتداء الجلد؟ هذا يشير إلى أننا لسنا مدافعين عن حقوق الحيوان. ماذا عن عدم ارتداء قطن عضوي؟ هذا يعني أننا لسنا من أنصار البيئة المتحمسين.  

لا يمكننا أن نفلت من السياسة عندما يتعلق الأمر بالموضة، بغض النظر عما نرتديه من ملابس. ذلك يعني أن الملابس التي نشتريها مهمة، سواء كنا سياسيين أو رؤساء دول أو غير ذلك.