"مسؤولون جنوبيون وقود حرب لترسيخ سلطة التنظيم"..

تقرير: هادي.. رئيس مؤقت وخنجر إخواني مسموم في خاصرة الجنوب

عبدربه منصور هادي متوسطا نائبه ومحافظ مأرب سلطان العرادة يشرب من قنينة ماء - أرشيف

سلمان صالح
مراسل ومحرر متعاون مع صحيفة اليوم الثامن

على مدى ثمان سنوات، دأب محسوبون على الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، على الزعم، ان الرجل خدم الجنوب، وانه لولاه، لكان الجنوب يتظاهر للمطالبة بالاستقلال، لكن هادي استطاع نقل الجنوبيين الى واقع الدولة والبناء، وهذا أمر مجافٍ للحقيقة ولا يقدم أي شيء الا انه يصور هادي، على انه أول رئيس في العالم أصبح اضحوكة واداة بيد تنظيم إسلامي متطرف لتنفيذ اجندة، فقط لا غير.

هادي انتخب رئيسا في انتخابات رفضها كل اهل الجنوب، ولم ينتخب أي حد، لأسباب منطقية، ان الرجل الذي ظل نائبا للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، ويمارس الصمت المطبق حيال الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها جيش وأمن النظام، بالإضافة الى جرائم التنظيمات الإرهابية.

برغبة إقليمية وامريكية، أصبح هادي، رئيسا توافقيا لمدة عامين، بدأت في الـ21 من فبراير (شباط) 2012م، ويفترض ان تنتهي في الشهر ذاته من العام 2014م.

لكن اليمنيين الشماليين الذين كانوا يعولون على هادي في انتشال الوضع وإيقاف الاقتتال داخل صنعاء بين أسرة أل الأحمر وعلي عبدالله صالح، فوجئوا ان "الرئيس" ليس الا سكرتيرا في مكتب رئيس تنظيم الاخوان محمد  اليدومي، وحين فكر التمرد على الإخوان او الخروج من عباءة التنظيم، ذهب نحو الحوثيين، وسلم لهم عمران، بدعوى ان القيادات العسكرية المحسوبة على الجنرال الإخواني علي محسن الأحمر، لا تطيع أوامره.

في السابع من يوليو (تموز)، العام 2014م، زار هادي عمران المجاورة لصنعاء، وأعلن من هناك ان المحافظة قد عادت الى حضن الدولة، بعد ان سيطر عليها الحوثيون، وكردة فعل من تنظيم الإخوان (الزيدي)، ذهب محمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي الى صعدة للقاء زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في جبال مران، بل والطريف في الأمر ان زيارة وفد التنظيم كانت على متن طائرة عسكرية أقلعت من قاعدة الديلمي الجوية الخاضعة لسيطرة الأحمر.

عقب ذلك خرج هادي، ليقول لليمنيين انه لم يستلم أي شيء، فقط استلم من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، (علم الوحدة اليمنية)، فكان هذا التصريح بمثابة ضوء أخضر للإخوان للاستحواذ على الجيش والسلطة والسلطات المحلية، فنصبوا محافظين لمحافظات جنوبية وشمالية من التنظيم ونشروا ناشطي التنظيم في المرافق الحكومية بكل مكان خاصة في مدن الجنوب، وشرعوا بالاستحواذ على الدعم الدولي والإقليمي، في حين لم يكن امام هادي الا الموافقة على ما يريده مستشاره العسكري علي محسن الأحمر.

لم يتأخر الحوثيون كثيراً، فصفقة تسليم صنعاء تمت في صعدة في أغسطس (آب) 2014م، فكان الحوثيون على موعد مع الـ21 من سبتمبر (أيلول)، ليعلنوا سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، دون أي مقاومة حقيقة، بعد ان أصدر وزير الداخلية عبده الترب توجيهات الى مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية بعدم اعتراض الحوثيين من السيطرة على المرافق الحكومية والسيادية.

في حين ان الأحمر كان قد غادر العاصمة اليمنية صنعاء على متن طائرة عسكرية أقلعت من قاعدة العند الجوية في الجنوب، بعد تدخل السفارة السعودية التي نقلته الى الرياض ليقيم هناك في حين طل أولاده واسرته في صنعاء، بما فيهم نجله محسن المكلف بإدارة استثمارات والده الفار من الحوثيين، وتلك الاستثمارات كانت في عقر سلطة الحوثيين.

هادي لم يكن امامه من خيار سوى الفرار صوب عدن، في ليلة ذكرى انتخابه من العام 2015م، تنكر وفر من صنعاء صوب عدن، وربما ان الحوثيين قد غضوا الطرف عنه لتسهيل هروبه إلى الجنوب لإيجاد مبرر انهم يلاحقون شخص مطلوب لهم وليس رئيس دولة.

هروب هادي كان بعد أيام من تقديم استقالته من الرئاسة، فشن الحوثيون حربا شعواء على الجنوب، في حين كان الإخوان قد ابرموا اتفاقية مع الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام، على اختيار محمد سالم باسندوه رئيسا مؤقتا خلفا لهادي.

في فجر الـ26 من مارس (اذار) 2015م، اطلقت السعودية حملة عسكرية تشارك فيها عشر دول عربية ابرزها الامارات ومصر والبحرين والسودان وغيرها من الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان.

وانتظر الإخوان عشرة أيام حتى تبين لهم ان الغارات الجوية والمقاومة في الجنوب قد أربكت الحوثيين وأصابتهم في مقتل، ليعلنوا اللحاق بهادي الى عدن، دعت توكل كرمان من تركيا هادي، الى اعلان عدن عاصمة مؤقتة، استجاب هادي على الفور وأعلن ذلك في بيان عبر شاشة قناة عدن الرسمية ليقوم الحوثيون بقطع البث التلفزيوني الذي يتحكم به النظام من صنعاء، خشية ان يسقط التلفزيون في قبضة الحراك الجنوبي.

دفع الجنوبيون فاتورة كبيرة من الدماء تقدر بالآلاف من الضحايا والجرحى، اغلبهم مدنيون بينهم نساء وأطفال، جراء الحرب العدوانية التي شنها الحوثيون، في حين ان هادي لم يستمر كثيرا في عدن وفر على سلطنة عمان ومنها الى الرياض التي يقيم فيها منذ سبع سنوات وأكثر.

لم يكن هادي بمقدوره الصمود لأكثر من أسبوع لو ان الحوثيين سيطروا على عدن، خاصة بعد ان تم اسقاط ساحل حضرموت في قبضة تنظيم القاعدة، فلولا المقاومة الجنوبية التي خرجت للدفاع عن الجنوب حتى قبل انطلاق عاصفة الحزم، لما تبقى هادي رئيسا الى اليوم.

كان الإخوان بحاجة إلى قيادات جنوبية لمقاومة الحوثيين وترسيخ سلطة التنظيم، فكان الجنوبيون اشبه بوقود الحرب لترسيخ سلطة الإخوان، من خلال تعيين قيادات مدنية وعسكرية جنوبية لمواجهة الحوثيين، حتى سقط الكثير منهم شهداء في قصف عسكري أبرزهم الجنرال سيف اليافعي وغيره من القيادات العسكرية.

في الـ23 من فبراير (شباط) العام 2016م، أصدر الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، قرارا قضى بتعيين الجنرال العجوز علي محسن الأحمر، نائبا للرئيس، ليكون ذلك بمثابة عودة رسمية للرجل توارى عن الأنظار بعد فراره من صنعاء العاصمة اليمنية، قبيل دخول الحوثيين اليها في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014م.

كان هذا القرار بمثابة اعلان عن فرض سلطة مطلقة للإخوان، فكان "ختم الرئيس" في يد مدير مكتبه الإخواني المقرب من الحوثيين (سلالياً)، عبدالله العليمي الذي عزل المسؤولين الجنوبيين من مناصبهم بعد اقل من عام على تعيين الأحمر، فأصبحت السلطات والوزارات (إخوانية)، امام هادي فقد تحول الى خنجر مسموم في خاصرة الجنوب.

لم ينته الأمر عند الاستحواذ على قيادة الجيش والسلطة والمؤسسات الحكومية، فقد شن التنظيم حربا شعواء على الجنوب بغية السيطرة عليه، وبالفعل سيطر التنظيم على شبوة النفطية وأجزاء من أبين، لكنه فشل في السيطرة على العاصمة عدن، بفعل رفض التحالف العربي بقيادة السعودية ان سيطر الاخوان (أذرع قطر)، على الجنوب في حين يصب اليمن لإيران.

لكن يظل السؤال الذي يشغل بال الكثير من الجنوبيين.. هل فعل خدم هادي الجنوب؟، مع ان الإجابة هي نفي ذلك، لكن يبقى التأكيد ان هادي أضر الجنوب كثيراً، فبالنظر الى الخسائر البشرية الكبيرة والتدمير المهول الذي حصل في الجنوب، يتأكد للمتابع والراصد ان هادي، لم يكن الا أداة اخوانية للعبث بالجنوب وتدمير مقدرات بلد يريد العودة الى استقلال الدولة السابقة.

ما الذي يمكن ان يدونه التاريخ عن هادي، رجل أحب السلطة لمجرد ان يكون رئيسا، وأن كان بدون قرار او سلطات، ودمر بلاده الجنوب التي حافظت على سلطته (الهشة)، فلو ان هادي وقع في الاسر، أو أحبط الحوثيون فراره صوب الجنوب؟ او انه اختار الفرار صوب مأرب بدلا من عدن، لربما كانت الخسائر أقل كلفة من تلك التي دفع الجنوب فاتورة كبيرة في سبيل دفع الاحتلال اليمني عن بلادهم، وسيظل الجنوب في خطر، طالما وهادي، اشبه بريموت كنترول، بيد تنظيم متطرف، لا يرى الجنوب الا في منابع النفط والموارد البرية والبحرية، اما السكان فهم بنظر هذا التنظيم "بقايا هنود وصومال وماركسيون وشيوعيون"، يجب قتلهم، بنصف فتاوى المتطرفين في التنظيم أمثال عبدالوهاب الديلمي وعبدالمجيد الزنداني وعبدالله صعتر وغيرهم.