حافظ الشجيفي يكتب لـ(اليوم الثامن):

لعبة الادوار السباسية والاقليمية في اليمن

على المستوى الاقليمي فان النظام الايراني والتركي والسعودي  على وجه الخصوص ومثلهما النظام الاماراتي والقطري ايضا ضمن انظمة عديدة اخرى في المنطقة انما هي زرع من بذور سياسة السيطرة الامريكية على شعوب المنطقة ومنوط بكل دولة من هذه الدول دور سياسي وإقليمي معين ينبغي ان تؤديه بالتناغم مع الادوار الملقاة على عاتق بقية تلك الدول امام شعوبها وإمام شعوب بعضها البعض وفقا لما تقتضيه مصالح وغايات الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وتطبيقا لسيناريوهاتها وأجندتها ومخططاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية المرسومة لفرض نفوذها السياسي والاقتصادي على شعوب المنطقة بأقنعة وأدوات استعمارية جديدة وحديثة وأسلحة عصرية اكثر مضاء وخبثا وخطورة على هذه الشعوب واقل كلفة من اي اسلحة اخرى.


 


تقتضي الاجندة التي تنفذها  امريكا لتحقيق غاياتها الاستعمارية  تلك في المنطقة ان تختلق اسبابا ومبررات واقعية ومحسوسة لإقناع الشعوب العربية التي تستهدف السيطرة عليها بجدية خلافها المزعوم  مع النظام الايراني من خلال الاتفاق معه ــ بمقابل او دون مقابل ــ باستغلال كل الذرائع  والحجج العسكرية والسياسية والدينية الممكنة وتسويقها عبر كثير من القنوات والمنافذ السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية والإعلامية التي اعدتها لإثبات ذلك وعن طريق العديد من الاساليب الثقافية والفكرية والأخلاقية والمعنوية التي تجيد ممارستها لإيهامها او لإقناعها بان ذلك الخلاف انما هو خلاف جاد وقائم بالفعل بينهما.


فإذا احتاجت سياسة الابتزاز الامريكية  ــ  وعندما اقول الامريكية هنا فإنني اقولها كناية عن كثير من الدول الغربية الاخرى التي تشترك معها في المؤامرة على هذه الشعوب ومن ضمنها روسيا ــ الى مبرر كافي لفرض شروطها وتحقيق غاياتها وتوسيع نفوذها في اليمن مثلا فان على ايران ان توفر لها الغطأ الشرعي الذي يهئ الطريق امامها للوصول الى ذلك بكل يسر دون ان ينكشف امرها ..ليس فقط من خلال قيام الاخيرة يتكوين حركة شيعية في شمال الشمال ترفع شعارات الموت لأمريكا الموت لإسرائيل لتدفع الشبهات عن اي علاقة تربطها بها وفي الوقت نفسه تقدم لها الذريعة الشرعية والمنطقية لتواجدها في اليمن من خلف الواجهات العربية الاقليمية التي دفعت بها " التحالف العربي" ــ كالحركة الحوثية التي ظهرت فجأة في صعدة لتقوم بهذه المهمة ــ بل ومن خلال ادوار ومهام كثيرة ومختلفة يمكن ان تلعبها وتؤديها علاوة على ذلك في الجنوب وفقا لما تقتضيه المصالح والغايات الامريكية وتنفيذا لسيناريوهاتها المرسومة لتفتيت وتقسيم اليمن شمالا وجنوبا لى دويلات صغيرة..بواسطة الربط بأي وجه من الوجوه بين مايجري في الشمال وبين مايحدث في الجنوب بالمصلحة الايرانية او بمصلحة السعودية والامارات..


هذا الدور الذي تلعبه ايران في اليمن هو جزء من الدور الاقليمي العام  الذي اسند اليها لتلعبه امام شعوب المنطقة ككل تبعا لما تستوجبه منها طبيعة العلاقة القائمة بينها وبينهم كلٍ على حده .وانطلاقا من الاهمية السياسية والدينية والثقافية والجغرافية والاقتصادية التي تمثلها بالنسبة لمصالح امريكا وحلفائها الغربيون ..الدور ذاته تلعبه تركيا ايضا في المنطقة وان اختلف طابعه عن طابع الدور الايراني الذي بني على اساس التناقض والتنافر المذهبي مع محيطها الاقليمي في حين ان الدور التركي اخذ بعده السياسي والتاريخي اكثر من الديني في التعاطي مع المحيط نفسه ..إلا ان الهدف يظل هدفا واحدا للجميع ..وكذلك الامر بالنسبة للسعودية التي تمثل القطب السني المقابل لإيران في صراعها وخلافها المذهبي المزعوم معها.


ولما كان نجاح السياسة الامريكية في تحقيق غاياتها ومصالحها الاستعمارية في تقسيم وتفتيت  هذه الشعوب مرهون بمدى قدرتها على استغلال المتناقضات والاختلافات التي تحدد طبيعة العلاقات السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية والجغرافية السائدة بين هذه الشعوب ولا اقول بين الانظمة التي تحكمها للفارق الذي اراه في صفة الادوار التي تقوم بها هذه الانظمة امام تلك الشعوب لتغذية خلافاتها المذهبية والدينية وتأجيج صراعاتها السياسية والجغرافية والتاريخية عملا بما تقتضيه السياسات الامريكية التي تعتمد كما اشرنا على مثل هذه الاساليب في تحقيق ذلك ، فان حاجة امريكا للسعودية تساوي مقدار حاجتها لإيران في تمثيل ادوار الخصومة بينهما امام شعوبها والشعوب المحيطة بهما بما يظهره كل طرف من الطرفين من العداوة والبغضاء تجاه الطرف الاخر منهما من خلال التصريحات السياسية والافتراءات الدينية والتهديدات الدبلوماسية والعسكرية وكثيرا من الفعاليات الثقافية والإعلامية والخطابات التحريضية المتبادلة بينهما.

 

الحوثي الذي يرفع شعار الموت لأمريكا ،، الموت لإسرائيل ،، ثم لا يجد في نفسه حرجا حين يستهدف بالموت حياة الابرياء وحدهم دون سواهم  من ابناء الشعب اليمني ،، لم يكن بأي حال من الاحوال مضطراً لرفع هذا الشعار إلا ليدفع عن نفسه الشبهات التي كان يعلم  بأنها ستحوم حول علاقته الوثيقة بهذه القوى والأجندة الخارجية التي تدعمه وتموله وتحميه في حالة ما لو رفع اي شعار آخر غير هذا الشعار الذي بات يرفعه لنا ليضللنا عن حقيقته تلك.


 

خلال السنوات القليلة التي سبقت وتلك التي تلت الظهور المفاجئ  للحوثي كحركة عقائدية مذهبية طائفية لم تكن موجودة او قائمة اصلا من قبل في اقصى الشمال او في شمال الشمال ، كان لتلك القوى الخارجية وبالتعاون مع كثير من الاطراف والتكوينات السياسية والتنظيمية المرتبطة بها في اليمن ان تسعى سعيها الحثيث وعبر كل المنافذ والقنوات والوسائط الاعلامية والسياسية والثقافية والفكرية والدينية والدبلوماسية التي اعدتها ووظفتها للقيام بعملية التمهيد والتهيئة لولادة هذا المخلوق الماسوني الغربي الامريكي الذي نسبوه لإيران التي راحت تظهر الخصومة الشديدة لأمريكا وحلفائها الغربيون ، كدور وليس اكثر او أقل من الادوار التي تلعبها مع بقية الانظمة السياسية  في المنطقة امام شعوبها باتفاقها المسبق الذي تضمره عنها حول ذلك مع تلك القوى الاستعمارية التي تقودها امريكا وبحسب ماتقتضيه مصالحها وسياساتها التقسيمية في المنطقة.

 

فإيران ومثلها تركيا ايضاً ومثلهما قطر والعربية السعودية والإمارات العربية  كأنظمة ، مع بقية الانظمة الحاكمة في محيطها الجغرافي ، إنما تؤدي ادوار مختلفة امام شعوبها وشعوب المنطقة ككل وتخدم بالضرورة اهداف وسياسات ومصالح وأجندة تلك القوى الخارجية الكبرى فيها ، إذ اننا لا نرى حاجة لدولة كإيران مثلاً مهما كانت قوتها العسكرية والصناعية في ان تناصب امريكا العداوة على ذلك النحو اللافت الذي تظهره لها امامنا كشعوب ،، وما يمكن ان يفسر لنا هذه الحالة يجعلنا نؤمن الى حد عميق بأنه لا مبرر مقنع يبرر ظهور احد الطرفين في موقف الخصومة التي يبديها كل طرف من الطرفين تجاه الاخر منهما, مالم تقتضي مصلحتهما المشتركة ذلك, او على الاقل ما لم تقتضي مصلحة طرف واحد منهما على الاقل ذلك فيما لا يسع الطرف الاخر إلا ان ينفذ فقط.

 
وبالحسابات المنطقية البسيطة لقيمة ايران في معادلة القوى الدولية  سنجد ان ايران بالنسبة لأمريكا او بالنسبة لأصغر دولة أسيوية اخرى غيرها ضعيفة جداً  إن حررنا عقولنا ونحن نقوم بهذه العملية الحسابية من سطوة الاثر والتأثير الاعلامي الموجه الذي ظل يستهدف عقولنا طوال عقود من الزمن حتى دفنها تحت ركام كبير من غبار الكذب والتدليس والتضليل الذي ساقته الينا رياح الآلة الاعلامية الغربية بأصواتها ولغتها العربية التي ظلت تعمل على هذا المنوال،

 

الحوثي كحركة مذهبية طائفية مثله في ذلك مثل القاعدة وداعش في الشام كتنظيم سني ارهابي انبثق من العدم لا يمكن ان تكونا بعيدتان ابداً عن موطن الاشتباه في ارتباطهما بنفس الداعم الخارجي الذي نتحدث عنه هنا، إذ لا نكاد نرى مستفيدا واحدا يذكر من الاعمال التخريبية التي يقوم بها كل منهما على حده غير امريكا وحلفائها الغربيون وحدهم ،، فإذا لم يكن في هذا التفسير وحده دليلاً كافيا لإدانتهما بهذه الشبهة فأي دليل يملكونه هم ليبرؤا انفسهم منها مقابل البراهين الدامغة الكثيرة التي تدينهم بها ،، وما ينطبق على حركة الحوثي وتنظيم القاعدة وداعش من هذا التصنيف ينطبق على كثير من الاطراف السياسية والتنظيمية المحلية والإقليمية الاخرى التي تتبنى ادوار ومواقف مختلفة في المنطقة ،، وما يجري في بلد عربي هو عينه مايجري في بلد عربي اخر من بلدان امتنا العربية والإسلامية مع اختلاف المسميات فقط،


على ان الكثير من العرب ينخدع بشعارات الدعايات العدائية والهجومية المتبادلة بين إيران وأمريكا او بين ايران والمملكة او بين قطر وبقية الدول الاخرى في الظاهر ويظن أن إيران هي العدو الحقيقي لأمريكا بل لعل هذا الخداع قد انطلى  ايضا على عدد كبير من المحللين والمراقبين والمثقفين مما اوجد قاعدة شعبية لا بأس بها لإيران داخل الدول العربية كما يجب علينا إلا ننسي دور بعض الصحف وغيرها من وسائل الاعلام والأقلام المأجورة التي اغرتها الاموال التي تنفقها عليهم امريكا ببذخ من خزائنها الممولة من ثروات وخيرات وحقوق  شعوبنا وعلى كل من يروج لمشاريعها الشيطانية في اوساطنا العربية والإسلامية وهذه الاقلام المأجورة والمفتونة عملت ولا زالت تعمل على تضليل الرأي العام والتمويه علي خطورة المشروع الامريكي من خلف التهويل الاعلامي والدبلوماسي والسياسي للمشروع الوهمي المزعوم او المنسوب لايران،

وحتى نفهم طبيعة العلاقة بين امريكا وإيران وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الطرفين لابد ان نعرف ان العلاقة بينهما قائمة علي المصلحة المحضة والأهداف المشتركة وما الذي تريده امريكا من إيران وما الذي تريده إيران من امريكا وأين تلتقي العلاقة والمصالح بينهما وأين تقف كل منهما من الاخرى.

أمريكا ايضا تريد من ايران ان تقوم بدور بعبع الشعوب العربية والإسلامية خاصة في اليمن والخليج لتبقي هذه الشعوب اسيرة للوجود الامريكي فيها ويكون لدي حكومات هذه الدول المبرر اللائق الذي تقدمه لشعوبها لتبرير تواجدها فيها،