صالح البيضاني يكتب:

عن تيار الإرباك في "الشرعية اليمنية"

مزيج غريب وغير متجانس أيديولوجيا من السياسيين اليمنيين جمعهم مؤتمر في واشنطن أقل ما يقال في وصفه أنه تجمع مشبوه جاء في توقيت حساس ومنعطف حاسم تمر به الأزمة اليمنية.

جمع هذا المؤتمر الذي نظمته ووقفت خلفه منظمات معروفة بارتباطها بالدوحة، لفيفا من شخصيات يمنية متعددة الولاءات، ارتبط اسمها بمحاولات إرباك المشهد اليمني وخلط الأوراق في معسكر المناهضين للميليشيات الحوثية، تحت عناوين ولافتات مختلفة تبدأ من التشكيك في شرعية “الشرعية” ولا تقف عند استهداف التحالف العربي في اليمن.

وإذا توقفنا قليلا عند توقيت هذه الفعالية التي جاءت تحت عنوان “نحو السلام الدائم والديمقراطية في اليمن”، نجد أنها أتت بعد فترة وجيزة من انتهاء مونديال قطر وما رافقه من حالة صمت لافتة للنظر في جبهات “الذباب الإلكتروني” على مواقع التواصل الاجتماعي، وتهدئة إعلامية مباغتة. ومن جهة أخرى يأتي هذا التجمع بالتزامن مع جهود دبلوماسية حرجة تبذلها الأمم المتحدة وواشنطن في العاصمة العمانية مسقط، لنزع فتيل صدام عسكري يلوح في الأفق بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والميليشيات الحوثية.

الأسماء المشاركة تدعو كذلك للتأمل، فجل من شارك في المؤتمر من تيار بات معروفا في المشهد اليمني بعدائه للتحالف العربي ومعظم المكونات اليمنية الأخرى، وتنفيذ أجندة سياسية لصالح جهات إقليمية تعمل منذ حروب صعدة على إنقاذ الحوثي في كل المنعطفات الحرجة، مثل الإخوانية توكل كرمان، عبدالعزيز جباري نائب رئيس مجلس النواب اليمني، وزير النقل السابق صالح الجبواني وعضو مجلس الشورى عصام شريم.

أما عن أهداف مؤتمر واشنطن المعادي للتحالف العربي والمشكك في شرعية مجلس القيادة الرئاسي عبر قيادات محسوبة على الشرعية ذاتها، فهي محاولة تجميع فلول الفشل الذي لازم معركة تحرير اليمن خلال الثماني سنوات الماضية، وكذلك السعي لعكس نتائج مشاورات الرياض اليمنية التي أعادت رسم خارطة الطريق نحو الحرب والسلام.

وقد بدأ تيار الإرباك داخل الشرعية في العام 2017 مثل بقعة زيت صغيرة، وعندما لم تتم محاصرة هذا التسرب، إما عن جهل أو تواطؤ تحولت هذه البقعة إلى كارثة بيئية لوّثت مياه الشرعية، وأعاقت عملها المفترض لتحرير اليمن، وبددت جهودها السياسية والعسكرية والاقتصادية المنوطة بها.

وتكمن خطورة هذا التيار، بأنه يستمد قوته في إضعاف “الشرعية” من الشرعية ذاتها، حيث يستخدم كل من ينتمون لهذا التيار الصفات الرسمية التي منحها لهم انتماؤهم للحكومة اليمنية لتصدير خطاب مربك سياسيا ومحبط شعبيا، لا يصب إلا في خدمة المشروع الإيراني في اليمن.

ومن أبرز وجوه هذا التيار على سبيل المثال، عضو مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري الذي تقلب في مناصب كبيرة وعديدة داخل الشرعية اليمنية، قبل أن تمنحه الشرعية صفة أخرى لا يستحقها كنائب لرئيس مجلس النواب، رغم أنه لا يمثل أي مكون حقيقي ولا يتمتع بأي حضور شعبي أو وزن سياسي وكانت كل مواهبه التي صعدت به إلى هذا المنصب هي تصريحاته التي يستهدف بها دول التحالف العربي قبل أن يشكك اليوم في مؤتمر واشنطن بشرعية مجلس القيادة الرئاسي ويواصل دوره التقليدي المنوط به في الهجوم على التحالف العربي.

وقصة حصول هذه الشخصيات الهزيلة على المستويين السياسي والشعبي على تلك الصفات الرسمية، التي تحولت إلى مظلة وغطاء رسمي لأنشطتها المشبوهة، هي حلقة من مسلسل وأسباب الإخفاق الكثيرة التي ساهمت في تعثر “الشرعية” خلال السنوات الماضية، بعد حقنها بعناصر مزدوجة الولاء، عملت على تفكيكها من داخلها وبددت طاقتها في معارك داخلية ضد التحالف العربي ومكونات أخرى مناوئة للانقلاب الحوثي.

وبما أن مشاورات الرياض اليمنية التي خلقت واقعا جديدا في جبهة المناوئين للحوثي، وأتت بمجلس رئاسي يمثل خارطة القوى الحقيقية والفاعلة، وطوت صفحة الهشاشة التي تسببت في تفكيك الشرعية وازدواج خطابها، فأعتقد بأنه بات من الأولويات اليوم أمام مجلس القيادة الرئاسي في مواجهة هذه الموجة الجديدة من خطط الإرباك وبعثرة أوراق الشرعية، ضرورة المسارعة بموقف حاسم وفك الارتباط بين الشرعية وهذه العناصر، والتعامل معها كخصم خفي ومتلون، يعمل على خدمة الانقلاب من داخل مؤسسة الشرعية.