دعوات للحوار وتجاوز التباينات..

 تقرير: "ذكرى ثورة".. الجنوب يتجاوز خطيئة الوحدة نحو استقلال ثانٍ

حقق الجنوبيون وعن طريق المجلس الانتقالي الجنوبي مكاسب سياسية وعسكرية كبيرة - ارشيف

سلمان صالح
مراسل ومحرر متعاون مع صحيفة اليوم الثامن

يحتفل الجنوبيون بذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر، في عيدها الـ58، حين انطلقت قبل نحو ستة عقود الثورة (الأم) ضد الوجود الأجنبي في البلاد، والتي توجت في الـ30 من نوفمبر العام 1967م، بإعلان استقلال دولة اليمن الجنوبية الشعبية، قبل ان تدخل في مجموعة من الأخطاء الكارثية التي أدت الى وأد الدولة الوليدة بوحدة هشة سرعان ما انتهت هي الأخرى بالحرب والاحتلال بعد أقل من ثلاثة أعوام على توقيع اتفاقيتها.

لنحو قرن ونصف كان الجنوب مستعمرة بريطانية مثله مثل بلدان عربية أخرى، لكن الجنوبيين قرروا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي تحقيق السيادة الوطنية، وإقامة الدولة الوطنية، وبعد سنوات من النضال الوطني حصلت البلد على الاستقلال، غير ان تدخلات اقليمية ودولية حاولت كثيرا وأد الدولة في المهد، بدءا من اغتيال أول رئيس قحطان الشعبي، الذي كان قد بدأ في العام الأول له في الحكم، تنظيم الهجرة (غير الشرعية) الى عدن، ليتم الانقلاب عليه واعتقاله والزج به في السجن من قبل يمنيي الجبهة.

وتقول تقارير موثقة انه نتيجة للتآمر الداخلي الذي تعرضت له دولة الاستقلال من قبل "اليسار الطفولي" في التنظيم السياسي الحاكم الجبهة القومية قدم الرئيس قحطان الشعبي إلى القيادة العامة للجبهة القومية استقالته من كافة مناصبه في 22 يونيو 1969 وكذلك استقال فيصل عبد اللطيف الذي كان قد تولى رئاسة الحكومة في أبريل 1969.

وقد قام في عدن نظام حكم ماركسي فوضوي، تزعمه اليمني المهاجر عبدالفتاح إسماعيل الجوفي، وقد وصف نظام الحكم بالدكتاتوري وأتى على الأخضر واليابس وعاث في الشعب قتلا وحبساً وتشريداً ومصادرة للممتلكات الخاصة وبخاصة في حقبة السبعينات من القرن الفائت.

 واحتجز قحطان وفيصل في منزليهما لفترة قصيرة ثم نقلا إلى "معتقل الفتح" بحي التواهي بعدن في أواخر مارس 1970 حيث جرى في مطلع أبريل 1970 اغتيال المناضل فيصل في زنزانته فيما نقل المناضل قحطان إلى كوخ خشبي بمنطقة دار الرئاسة وظل معتقلا انفراديا بدون محاكمة أو تحقيق أو حتى تهمة حتى أعلنت السلطة في عدن عن وفاته في (7/7/1981) (عن 57 عاماً) وكانت أسرته قد تعرضت للمزيد من المضايقات في 1976 م فأخذت منذ هذا العام في الهروب من الجنوب واحداً بعد الآخر (أسوة بمئات الآلاف من شعب الجنوب الذين تمكنوا من الفرار من البلد الذي كان حينئذ بمثابة سجن كبير).

وقد تزايدت ممارسات يمنيي الجبهة في اعدام الرئيس سالمين دون محاكم والانقلاب على نظام علي ناصر محمد، والتي فجرت حرب العام 1986م، وصولا إلى توقيع وحدة هشة مع الجمهورية العربية اليمنية، انتهت في الأعوام الثلاثة الأولى من توقيع اتفاقيتها بالحرب والاجتياح وفتاوى التكفير التي أصدرها علماء النظام في صنعاء، بجواز قتل الجنوبيين ونهب ممتلكاتهم ومقدراتهم بدعوى انهم ماركسيون وشيوعيون، في إشارة الى نظام الحكم قبل الوحدة.

ويحتفل الجنوبيون هذه المرة وسط متغيرات كبيرة، بعد ان حقق المجلس الانتقالي الجنوبي مكاسب سياسية وعسكرية، ساهمت في وضع القضية الجنوبية، كأولوية في مشاورات الحل النهائي للأزمة في اليمن.

كل هذه المكاسب التي تحققت يعتبرها الجنوبيون بانها تمثل تجاوزا لخطيئة الوحدة اليمنية ونهاية للاحتلال اليمني وفك الارتباط، وهو ما يؤكد عليه الخبير السياسي د. حسين لقور بن عيدان، بأن الوحدة اليمنية "انتهت وذهبت بلا رجعة".

وقال بن عيدان في تدوينة على تويتر "إن إصرار اليمنيين على فرض الوحدة بإيدي جنوبية سقط اليوم".. مؤكدا ان "الجنوب بقواه السياسية بغض النظر عن إختلافها لا تريد الوحدة".

وتساءل "ماذا تبقى لأشقائنا اليمنيين من مصلحة في وحدة مع شعب جنوبي يرفضه، قيام دولة الجنوب العربي أمر لا بد منه،  فهل يرغب أشقائنا في اليمن أن تتعمد علاقة الجوار بالدماء؟".

من جانبه وصف الشيخ القبلي البارز لحمر بن لسود، ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة، التي قامت قبل نحو ستة عقود ضد الوجود البريطاني، بالفعل الثوري المستمر الذي يسير بخطوات سريعة نحو تحقيق الاستقلال الثاني.

وقال بن لسود في تصريح لصحيفة اليوم الثامن ان "الجنوبيين خاضوا نضالا وطنيا صادقا لتحرير بلادهم وإقامة دولة الجنوب العربي المستقلة وعاصمتها عدن، ولكن القيادة السياسية ارتكبت أخطاء فادحة، حين تركت الباب مفتوحا على مصراعيه لقبول اليمنيين الذين ادخلوا البلد في اتون صراعات قادت بالجنوب نحو وحدة هشة مع الجارة العربية اليمنية، وهي الوحدة التي لم تدم سوى عام واحد حتى بدأت مؤشرات الانقلاب على اتفاقيتها".

وأكد الشيخ القبلي "ان الاستقلال الأول وما رافقه من أخطاء "كارثية"، يدفع الجنوبيون ثمنها اليوم، لن تتكرر لأن أدوات تلك الأخطاء لم تعد موجودة اليوم، في ظل وجود تكتل سياسي جنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي، قادر على تجاوز أخطاء الماضي والحذر من الوقوع فيها مرة أخرى".

ورحب بن لسود بعودة رئيس مجلس الحراك الثوري المناضل حسن باعوم، إلى ارض الوطن، مؤكدا ان عودته تمثلا تتويجا للحوار الوطني الجنوبي، الذي دعا له المجلس الانتقالي الجنوبي وشكل فريقا لذلك.

وأكد الشيخ القبلي على أن المرحلة التي يمر بها شعب الجنوب، تتطلب تجاوز أي خلافات او تباينات، قد تعرقل المضي نحو خيار الشعب في التحرير والاستقلال.

وقال بن لسود "ان الحراك الجنوبي شكل النواة التي أسست اليوم معالم دولة حقيقية في الجنوب، وكان الفضل بعد لله لزملاء ورفاق نضال بعضهم رحل وأخر لا يزال على قيد الحياة، وهؤلاء ساهموا في بناء مداميك القضية الوطنية، وصولا الى المقاومة للاحتلال المتجدد، وحاليا انصهرت كل القوى السياسية في المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي حصل على تفويض شعبي".

وطالب الجميع بالتكاتف والتلاحم للسير في طريق آمن حتى يحصل الجنوب على حقه في الاستقلال والتحرر وطرد الاحتلال اليمني.