حليف استراتيجي في منطقة الخليج العربي..

تقرير: التعاون الإماراتي- الأميركي.. تاريخ مميز وفرص مستقبلية كبرى

شراكة عميقة

حازم الغبرا

تجمع الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة علاقة وطيدة في مجالات بارزة عدة، فالتبادل التجاري بين البلدين فاق الـ25 مليار دولار حسب الإحصاء الأحدث عام 2019 حيث تعد الإمارات المستورد الأكبر في الشرق الأوسط للمنتجات الأميركية بحصيلة تتجاوز الـ20 مليار دولار كما استوردت الولايات المتحدة من الإمارات بما يتجاوز الـ5 مليارات دولار.

وفي المجال السياسي تعد الإمارات شريكا هاما للولايات المتحدة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. فالإمارات قدمت بسخاء لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة، حيث قامت عام 2008 بإلغاء الديون العراقية التي تجاوزت سبعة مليارات دولار كما فاق حجم المساعدات الإماراتية لمصر الـ15 مليار دولار.

وقدم صندوق أبوظبي للإنماء ما يزيد على أربعة مليارات دولار لدعم ضحايا الكوارث وتمويل المشاريع التنموية في 53 دولة منذ إنشائه. كما قدمت الإمارات 100 مليون دولار أميركي للولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا المدمر للمساهمة في إعالة المتضررين وإعادة الإعمار. وفي العام الماضي كان دور الإمارات رياديا في توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل والذي نتج عنه إيقاف فوري لمشروع ضم أراض من الضفة الغربية لإسرائيل.

ويعد التعاون الأمني والعسكري أبرز مجالات التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات. فالمرافئ البحرية الإماراتية تستضيف التمركز الأكبر للقطع البحرية الأميركية خارج مياه الولايات المتحدة خصوصا في مرفأ جبل علي الحديث والمجهز لاستيعاب حاملات الطائرات الأميركية العملاقة.

والإمارات عضو أساسي في التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية الذي أسس عام 2019 ومهمته تأمين مياه الخليج العربي من القرصنة الإيرانية على الملاحة التجارية والمدنية في هذا المعبر المائي الدولي الهام. كما قامت قوات الإمارات الجوية بالمشاركة بزخم في التحالف الدولي ضد داعش وقام الطيارون الإماراتيون واسعو الخبرة بقيادة طلعات جوية معقدة شاركت فيها طائرات الولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى.

وتنظر الولايات المتحدة إلى الإمارات اليوم كحليف استراتيجي في منطقة الخليج العربي خصوصا في هذه الفترة التي تتهيأ فيها أميركا لمواجهات كبرى مع الصين وروسيا. ومن المتوقع أن تشهد العلاقة تطورات كبرى خصوصا في مجالي التدريب والتسليح لرفع مستوى القدرات القتالية الإماراتية لدرجة تمكنها من درء الخطر الإيراني أو أي تحد آخر دون دعم أميركي مباشر.

لكن بعض العقبات بدأت بالبروز في العلاقة العسكرية خلال الأشهر السابقة، حيث تحاول الإمارات تنويع مصادر أسلحتها والحصول على أفضل المعدات التي تقدمها الدول المصنعة للسلاح المتطور بما فيها الصين. لكن الولايات المتحدة تريد من الإمارات الاعتماد على السلاح الأميركي وأسلحة دول الناتو لأن وجود معدات وفرق صيانة من دول معادية للولايات المتحدة في قواعد تنتشر فيها الأسلحة الأميركية الحديثة قد يعرض هذه الأسلحة للاختراق وكشف نقاط ضعفها أو مفاتيح تقنياتها.

وفي لقاء لصحيفة العرب مع ديفيد دي روش الأستاذ في جامعة الدفاع الوطنية التابعة للبنتاغون والمدير السابق لمكتب سياسات منطقة شبه الجزيرة العربية في وزارة الدفاع الأميركية أكد أن “الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة شراكة عميقة، وهي من أقوى العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بأيّ دولة في الشرق الأوسط. لكن هذا لا يعني أن البلدين بإمكانهما أن يحصلا دوما على ما يريدانه من بعضهما البعض بالرغم من التناغم بين الطرفين. من الصعب أحيانا العمل مع الولايات المتحدة في مجال الأسلحة، فالحكومة الأميركية شريك شديد الالتزام بالقواعد والقوانين، وتطبق الولايات المتحدة قدراً كبيراً من الشروط على مبيعات الأسلحة بما يجعل العملية تبدو أقرب إلى تأجير السلاح منها إلى بيعه”.

وحصلت الإمارات العام الماضي على موافقة البيت الأبيض لاستيراد طائرات أف 35 الأحدث في العالم والتي تعد جوهرة تاج القوة العسكرية الأميركية. لكن حكومة بايدن قامت بتعليق عملية البيع بشكل مؤقت لأسباب تقنية تتعلق باستيراد الأسلحة الصينية والروسية. وتعمل الدولتان الآن بجدية على تذليل هذه العقبات، ومن المتوقع أن تتم الموافقة النهائية على عملية البيع في المستقبل القريب.

وفي هذا الشأن يقول دي روش إن “الولايات المتحدة تسعى دوما لحماية التكنولوجيا العسكرية التي تجعل منها أقوى دولة في العالم لذلك لا يتم نقل بعض القدرات إلى دول أخرى، ويتم نقل بعضها فقط مع العديد من القيود. وقد أقر الكونغرس الأميركي قوانين صارمة تفرض قيودا على بيع السلاح إلى الدول التي تشتري أسلحة معينة من روسيا والصين. هذا القانون المسمى “كاستا” (CAATSA) هو الذي دفع الولايات المتحدة لإلغاء صفقة طائرات أف 35 مع تركيا. وعلى الإمارات العربية المتحدة والدول الأخرى أن تنظر إلى هذا المثال وتدرك أنه إذا تم اللجوء إلى هذا القانون ضد أحد حلفاء الناتو فيمكن استخدامه أيضا لفرض قيود على شركاء في دول مجلس التعاون الخليجي”.

الخيار ليس سهلا بالنسبة إلى دولة الإمارات اليوم، إذ توفر خطة تنويع مصادر السلاح ترسانة مميزة وتوفيرا كبيرا للنفقات العسكرية، لكن العتاد الأميركي ما زال الأقوى في العالم بالرغم من تكلفته العالية، التي تشتكي منها اليوم حتى الحكومة الأميركية نفسها.

وهذا الخيار ليس ماديا وتكتيكيا فحسب بل له أبعاد سياسية واستراتيجية في زمن تظهر فيه أقطاب دولية جديدة وتنتظر الولايات المتحدة فيه من شركائها قرارا واضحا حول مواقفهم من الصراعات القادمة.

يختم دي روش الحديث بالتأكيد على أن “الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بينها العديد من المصالح المشتركة بالإضافة إلى خصم مشترك. والأطراف تعمل معا بشكل جيد وستواصل القيام بذلك، لكن كل علاقة ناجحة ستستفيد من التبادل الشفاف للتوقعات والآراء”.