آخرهم اندلاع حريق في حوض لبناء السفن..

تحليل: الانفجارات الغامضة في إيران.. الدلالات والتوقيت والرد الإيراني

حريق في حوض لبناء السفن في جنوب شرق إيران

هدى رؤوف

تشهد إيران منذ شهر يونيو (حزيران) انفجارات عدة في كثير من المرافق الحيوية كالمنشآت الصناعية والنووية والعسكرية، منها انفجار كبير في مجمع بارشين العسكري في شرق طهران والذى ينتج صواريخ باليستية، ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، حيث كانت تستأنف إيران العمل على أجهزة طرد مركزي متطورة، كما اشتعلت النيران في ستة صهاريج تخزين في مجمع صناعي في شمال شرقي إيران.

آخر هذه الحوادث الغامضة اندلاع حريق في حوض لبناء السفن في جنوب شرقي إيران فوق حوض دلفار لبناء السفن في بوشهر، وهي المدينة الساحلية التي تضم محطة الطاقة النووية الوحيدة في إيران.

لم تعلن إيران أي معلومات حول تلك الهجمات، بل قام بعض المسؤولين الإيرانيين باتهام إسرائيل والولايات المتحدة، ثم بدأت مجموعة من التصريحات المتضاربة التي تراوحت ما بين إنكار وقوع بعض الحوادث أو إرجاعها لتسرب الغاز أو حوادث طبيعية. البعض يرى أن الانفجارات الأخيرة كانت هجمات إلكترونية، وقد تعرضت إيران لهجمات إلكترونية من قبل عام 2010 (ستوكسنت)، وهي الهجمات الإلكترونية التي استهدفت أنشطة التخصيب وأجهزة الطرد المركزي في إيران، أما صحيفة "نيويورك تايمز" فقد نقلت عن أحد العسكريين بالحرس الثوري الإيراني، إن الانفجار في نطنز نتج من قنبلة.

لكن طبيعة الانفجارات التي ارتبطت ببعض المنشآت العسكرية والنووية، والتي حملت كثيراً من الدلالات فهي من جهة تمس مواقع ترتبط بالبرنامج النووي والصواريخ الإيرانية، ومن جهة أخرى تؤكد أن الفاعل ذو قدرات استخباراتية عالية مكنته من القدرة على الوصول إلى أماكن هامة، عززت من التكهنات بأن إسرائيل قد تكون وراءها، فقد سبق أن أعلنت إسرائيل عام 2018 أنها وصلت إلى الأرشيف النووي الإيراني. ومن المعروف أن إسرائيل تريد تعطيل القدرات النووية الإيرانية، فمنذ الإعلان عن مشروع النووي الإيراني شكل هاجساً لإسرائيل التي اعتبرت البرنامج النووي تهديداً وجودياً، وهددت مرات عدة بقصف المنشآت النووية الإيرانية، وعمل الموقف الإسرائيلى جاهداً على التحرك الدولي ضد إيران أو فرض عقوبات وتعميق عزلتها، ومع الوصول للاتفاق النووي عام 2015 عارضته إسرائيل في البداية مما سبب توتراً للعلاقات بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما.

وهنا يثور التساؤل لماذا تقع هذه الهجمات الآن؟ أي ما هي دلالة هذا التوقيت سواء كانت إسرائيل محركها أو أي طرف آخر؟

تعاني إيران هذه الفترة من جملة تحديات داخلية وخارجية، فهي تواجه تحديات اقتصادية عالية للدرجة التي دفعتها إلى الدخول في اتفاق مع الصين به الكثير من التنازلات هرباً من العقوبات والضغوطات الأميركية، كما أنها ما زالت تواجه خطر تفشي كورونا وصعوبة السيطرة عليه، ومن جهة أخرى فإيران منذ نحو عام قد بدأت تتنصل من التزاماتها الخاصة بموجب قانون الإجراءات الخاصة. فقد تجاوزت كلاً من حد الصفقة على مخزونها من الماء الثقيل وغطاء اليورانيوم المخصب. كما عززت التخصيب إلى 4.5 في المئة نقاء، فوق عتبة 3.67 في المئة المنصوص عليها. أي أنه يمكننا القول إنه يتزامن مع سياسة الضغط لأقصى حد الأميركية والتي بدأت اقتصادية تتزامن الآن معها ضد إيران سياسة أقصى حد إسرائيلية ذات بعدين نووي وعسكري. فقد أشارت تقارير عدة حتى (من الإيرانيين ذاتهم) فقد أعنلوا أن تفجير مبنى بمنشأة نطنز لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة شكل ضربة لخطط إيران للتقدم إلى مراحل أكثر تقدماً في مشروعها النووي وسيبطئ من مشروعها النووي نحو عامين.

أيضاً مع قرب الانتخابات الأميركية، فكل من إيران وإسرائيل تنتظران نتيجة الانتخابات الأميركية، ففي حين تريد إيران جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة بدلاً من دونالد ترمب لإمكانية الدخول في اتفاق جديد أكثر مرونة لصالحها، تتحسب إسرائيل لإمكانية عدم انتخاب ترمب لولاية ثانية، بالتالي تريد أن تستغل فرصة وجوده في القيام بتحجيم وإضعاف القدرات النووية الإيرانية والعسكرية.

أما عن رد الفعل الإيراني وهل ستتجه إيران نحو التصعيد أم ضبط النفس؟ في أعقاب الانفجارات هددت إيران بأن تجاوز أعدائها للخطوط الحمراء سيعمل على إنهاء صبرها الاستراتيجي، وهو ما يشير إلى احتمالية الانتقام رداً على الهجمات، لكن في الوقت ذاته هناك بعض الحوادث التي أنكرتها إيران أو نسبتها لتسرب الغاز بما يعني أنها قد لا تريد الآن التصعيد في ظل التحديات التي تواجهها داخلياً ودولياً، لا سيما وهي تعد جهوداً لحشد دعم ضد الجهود الأميركية لتمديد فترة حظر الأسلحة التقليدية ضدها، والتي من المقرر أن تنتهي في أكتوبر (تشرين الأول). كما أن الهجمات التي سبق أن قلنا أنها تشير لدقة المعلومات الاستخباراتية لدى القائمين بها تعد رادعاً كافياً لثني إيران عن رد فعل انتقامي خشية مزيد من الهجمات الفادحة، خصوصاً أن أحد الانفجارات التي أنكرتها إيران يقال أنها لمواقع تحت الأرض، وأحدهم مرتبط بأبحاث الأسلحة الكيماوية والآخر موقع إنتاج عسكري.

لكن تواتر الهجمات قد يستدعى نوعاً من الضغط لرد إيران بخاصة أن المتشددين في مفاصل الدولة الآن، لكن قوة هذا الرد هي التي قد تكون غير فادحة، مثلما حدث في سابقة الرد الإيراني المنضبط على اغتيال قاسم سليماني والتي اتسمت بحسابات من شأنها عدم التصعيد مع الولايات المتحدة وإنما مجرد حفظ ماء وجه النظام الإيراني، تقول تلك السابقة إن الرد الإيراني قد يأتي منضبطاً كسابقه. ولكن هذا لا ينفي أن الرد قد يأتي من خلال الآلية التقليدية وهي الميليشيات التابعة لإيران في العراق ضد الأهداف الأميركية، ولكن حتى هذه الميليشيات فأي عداء منها ستستفيد منه حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي الذي يعمل لتفكيك وتحجيم تلك الميليشيات في العراق. أيضاً قد تتجه إيران للرد من خلال المماطلة وفرض قيود على فريق تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو التوجه نحو مزيد من التحلل من التزاماتها في الاتفاق النووي. ويبقى هناك أيضاً خيار الحرب الإلكترونية والقائم بينها وبين إسرائيل منذ فترة، والذي قد يدخل المنطقة في مرحلة تصاعد للهجمات الإلكترونية والتي سبقتها مرحلة حروب الدرون وحرب الناقلات.

الأمر المؤكد أن الاستجابة الإيرانية تواجه كثيراً من التحديات، كما أن هذه الهجمات سواء كانت ناتجة من التراخي الأمني ووجود ثغرات بشأن تلك المنشآت الهامة والحساسة، أو نتيجة لوضع انشقاق مجموعة أمنية داخل إيران، كلها أضافت إلى صورة النظام الإيراني المتدهورة أمام مواطنيه بدءاً من خطأ إسقاط الطائرة الأوكرانية مروراً بفشل التعامل مع فيروس كورونا مع كثرة ضحاياه وصولاً للحوادث الأخيرة، وهو ما يزيد سخطه على النظام الإيراني.