بالتزامن مع بلوغ درجات الحرارة 45 مئوية..

العراق: متظاهرون يقتحمون مبنى توزيع الطاقة احتجاجا على زيادة ساعات الانقطاع

جنازة قتيل الفساد

بغداد

اقتحم المئات من المتظاهرين الغاضبين، الأحد، مبنى توزيع الطاقة الكهربائية شرقي العاصمة العراقية بغداد احتجاجا على زيادة ساعات قطع التيار بالتزامن مع بلوغ درجات الحرارة 45 مئوية.

وتوقّعت مصادر عراقية أن تكون المظاهرة التي شهدها حي الأمين، بداية موجة احتجاج أوسع نطاقا كانت متوقّعة أصلا بسبب عدم حدوث أي تقدّم ملموس في معالجة أزمة الكهرباء التي مثّلت على مدار السنوات الماضية قادحا لاحتجاجات شبه منتظمة في مثل هذا الفصل الذي تتضاعف فيه الحاجة للطاقة الكهربائية وتبرز فيه الأزمة بشكل أكثر حدّة.

وقال شهود إن مئات المتظاهرين اقتحموا مبنى توزيع الطاقة الكهربائية في حي الأمين شرقي بغداد احتجاجا على زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي، وهددوا العاملين والمسؤولين بمنعهم من الدخول إلى المبنى في حال استمرارهم في قطع التيار. وأضاف الشهود لوكالة الأناضول أن قوات الأمن المكلفة بحماية المبنى لم تتدخل لمنع المتظاهرين من اقتحامه.

ومن جهته قال بكر الجميلي أحد المتظاهرين إنّ “حي الأمين والأحياء الأخرى شرقي بغداد تعاني من انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، مع ارتفاع درجات الحرارة”.

وأشار إلى أنّ “هناك مرضى وكبارا في السن ومصابين بفايروس كورونا وجميعهم بحاجة إلى التيار الكهربائي في ظل الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة”. وأوضح الجميلي أنّ “هناك انتقائية في عملية توزيع التيار الكهربائي على مناطق العاصمة”.

وجاءت هذه التظاهرة مخالفة للإجراءات المتّخذة من قبل السلطات العراقية لمواجهة فايروس كورونا الذي شهد انتشاره في البلاد خلال الآونة الأخيرة قفزات مشهودة تنذر بأزمة صحية حادّة.

وقال أحد المشاركين في التظاهرة إنّ الناس على بيّنة بخطر تجمّعها بهذا الشكل في الوقت الحالي، لكن الغضب من تردّي الخدمات ومن مماطلة الحكومات أصبح قويا إلى درجة الاستعداد للتضحية.

وتقود العراق في الوقت الحالي حكومة لم يمض على تشكليها بقيادة مصطفى الكاظمي سوى أقلّ من ثلاثة أشهر، وهي أصلا نتاج موجة الاحتجاجات الأشد من نوعها التي اندلعت الخريف الماضي وأسقطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

وترفع حكومة الكاظمي لواء الإصلاح ومحاربة الفساد ووقف هدر مقدّرات الدولة، غير أن هامش تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يبدو شديد الضيق أمامها، فقد جاءت في فترة أزمة شديدة تتميّز بانتشار وباء كورونا وانهيار أسعار النفط الذي يمثل تقريبا المورد الوحيد لميزانية الدولة.

أزمة الكهرباء في العراق عنوان بارز لاستشراء الفساد وعجز النظام القائم عن إدارة موارد الدولة وتوظيفها

وبذلك يتوقّع أن تواصل الاحتجاجات تفّجرها في وجه الحكومة الحالية، وقد تتصاعد أكثر مع المزيد من تراكم المصاعب المالية وتفاقم الأزمة الاجتماعية.

وقرّرت الحكومة العراقية الشهر الماضي تخويل وزير المالية علي علاوي صلاحية التفاوض والتوقيع على قروض مالية تصل إلى أكثر من مليار يورو لتمويل مشاريع الطاقة الكهربائية في البلاد.

ويبلغ إنتاج العراق من الطاقة الكهربائية وفقا لوزارة الكهرباء 13500 ميغاوات ويجري التخطيط لإضافة 3500 ميغاوات خلال العام الحالي عبر إدخال وحدات توليدية جديدة إلى الخدمة.

وتزداد معاناة العراقيين في الصيف بسبب ضعف تجهيز الطاقة الكهربائية والانقطاعات المتكررة، ولذلك أصبح من المعتاد أن ينطلق الشارع العراقي كلّ صيف في التعبير عن الغضب من سوء الخدمات والمطالبة بتحسينها، ليتّسع مداه ويشمل سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على وجه العموم، وصولا إلى رفع شعارات مناوئة للعملية السياسية برمّتها وللنظام القائم.

وتتسبّب رداءة خدمة التزويد بالكهرباء بمعاناة كبيرة لسكان العراق الذي كثيرا ما تتجاوز فيه درجات الحرارة صيفا نصف درجة الغليان، وتؤثّر بشكل مباشر على نشاطهم الاقتصادي وأعمالهم التجارية وترفع كلفتها بفعل اللجوء إلى استخدام المولّدات لتبريد المحلات وحفظ السلع. كما تؤثّر على الخدمات العامة مثل خدمات الصحّة.

وتظلّ أزمة الكهرباء في العراق حاملة لمفارقة صادمة وعنوانا للفساد والهدر وسوء إدارة الموارد، إذ ليس من المعقول بإجماع المراقبين أن يعاني بلد بمثل هذا الثراء بالنفط من أزمة الطاقة.

ولم تشهد شبكة إنتاج ونقل الكهرباء في العراق منذ سنة 2003 أي تطوّر يذكر، ما اضطرّ حكومات بغداد للاستيراد من الخارج وتحديدا من إيران، سواء للكهرباء أو للغاز المستعمل في توليدها رغم أن العراق يهدر كميّات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط وذلك بحرقه بدل معالجته واستخدامه.

ولا يستثني عراقيون ربط أزمة الكهرباء المستفحلة بأسباب سياسية، تتمثّل في حرص الأحزاب الشيعية الحاكمة والشخصيات النافذة المرتبطة بإيران على إبقاء العراق في حالة تبعية لطهران في هذا المجال الحيوي والحسّاس وهو الوضع الذي لم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على تغييره، وقد واجهت بغداد الإشكالية بحدّة غير مسبوقة عندما فرضت الولايات المتحدّة عقوبات شديدة على إيران طالت قطاع النفط وتطالب واشنطن مختلف الدول بما فيها العراق بتطبيقها والالتزام بها، الأمر الذي تسبّب بورطة للسلطات العراقية غير القادرة على إيجاد مصادر بديلة بشكل سريع للغاز والكهرباء الإيرانيين في حال قرّرت الإدارة الأميركية بشكل قاطع أن تنهي الاستثناء الظرفي الممنوح للعراق لمواصلة استيراد مواد الطاقة من إيران.