على الصعيدين العملي والفكري بشكل متواز..

حملات تطوعية شبابية تمنح الأمل بتغيير الواقع القائم في اليمن

هروب نحو الفن

رويدة رفاعي

يتطلع الشباب في اليمن إلى مستقبل خال من النزاعات العسكرية والانقسامات السياسية، وفي سبيل الوصول إلى هذا المستقبل، اعتمدوا على جهودهم الذاتية للقيام بحملات ومبادرات لمساعدة الطبقات الأضعف في المجتمع، وتحسين وجوه المدن بإبداعاتهم.

تجاوز العديد من الشباب اليمني النزاعات المستمرة منذ سنوات، وقرروا المشاركة في أنشطة ثقافية وحملات توعية على الصعيدين العملي والفكري بشكل متواز، لمساعدة مجتمعهم على تخطي الصعوبات الاقتصادية والمعيشية ومواجهة الأفكار الطائفية ونبذ أي معتقدات تدعو إلى الكراهية أو العنصرية.

ومع اقتراب شهر رمضان من كل عام، يبدأ الطالب اليمني عبدالله الدلالي مع زملائه من المتطوعين بحملة لإعداد تأمين كسوة العيد للكثير ممن ضاقت بهم الحال.

ويواصل عبدالله مبادرته الإنسانية، منذ سنوات بدعم من متطوعين من مختلف أطياف المجتمع اليمني؛ لمساندة أبناء بلدهم، ورسم الابتسامة على وجوه الأطفال.

ويرى مؤسسو المبادرة، التي سموها “بنك الكساء اليمني”، رسالة أمل وتفاؤل بالمستقبل؛ إذ إنها توحد اليمنيين بفرحة العيد، وتضع كل الخلافات والانتماءات جانباً.

ويفخرون بأنهم يعملون من أجل اليمن وأهله، واستعادة الأمل على وجوه أبنائه، وخاصة الأطفال والأجيال الصاعدة، منتصرين على كل الظروف والتحديات والعوائق.

وقال محمد نعمان، عضو في الفريق، إنهم يقومون بجمع الملابس من المتبرعين طوال العام، ثم يشرعون في فرزها وإعادة تأهيلها، وينطلقون بعد ذلك في إقامة معارض مجانية خلال مواسم الأعياد، وتأتي الأسر الفقيرة للتسوق بشكل مجاني، والتي تمّ تسجيلها من قبل خلال نزول الشباب إلى الشوارع.

المنظمات الإغاثية تركز على الجانب الغذائي، فجاء مشروع "كالبنيان" لتأمين الكساء للعائلات المحتاجة بعد أن أهمله الجميع

وبدأت المبادرة في عامها الأول مع 15 متطوعاً فقط، لكنها استطاعت في شهر رمضان الماضي، أن تحشد أكثر من ألف شاب، تطوعوا بوقتهم وجهودهم لدعم مجتمعهم. وتمكنوا من توسيع المستهدفين بمشروعهم لمساعدة ما يقارب الخمسة آلاف أسرة هذا العام، في صنعاء فقط، بعد أن كانت المبادرة تساعد 150 أسرة في بداية الانطلاق.

وأوضح أعضاء المبادرة أن قاعدة البيانات الدقيقة التي جمعوها على مدى أعوام؛ توفر فرصة لمختلف المؤسسات الخيرية والإنسانية؛ للتواصل المباشر مع الأفراد والأسر المحتاجة إلى الدعم والمساندة.

ونظم فريق الحملة ثلاثة معارض للملابس المجانية في صنعاء، تؤمن احتياجات خمسة آلاف أسرة، وتقوم فكرة المشروع على تجميع الملابس من المتبرعين، وإعادة تأهيلها ثم عرضها من خلال تنظيم معرض مجاني تأتي إليه الأسر المحتاجة لملابس العيد.

وتطورت الفكرة وتحولت إلى “بنك للكساء اليمني”، واستطاع الفريق جلب داعمين له، وستكون للمشروع ثلاثة برامج منتظمة خلال كل عام، وهي “كالبنيان” برنامج كساء عيد الفطر، وآخر لعيد الأضحى، وثالث، اسمه “شتاء دافئ” سيقدم بطانيات للأسر المحتاجة في الشتاء، وفق ما ذكر عبدالله الدلالي مؤسس المشروع.

ويقول الدلالي إن فكرتهم إنسانية بحتة، انطلقت لتلبية احتياجات مُلحّة للأسر الفقيرة، وهي الملابس، ذلك أن تركيز المنظمات الإغاثية منذ بداية الحرب انصب فقط على الجانب الغذائي، وأهملت جانب الكساء، فجاء مشروع “كالبنيان” لتغطية هذا المجال بعد أن أهمله الجميع.

ترحيب حكومي

وترى الحكومة أن هذه المبادرة الرائدة وكل المبادرات المماثلة تعكس وعي الشباب وإدراكهم لدورهم في خدمة المجتمع والتنمية.

وفي مدينة عدن الساحلية الجنوبية، العاصمة اليمنية المؤقتة، يتطلع الشباب إلى مستقبل خال من النزاعات العسكرية والانقسامات السياسية. وينظم بعض الشباب حفلات ثقافية بين وقت وآخر، لتعزيز السلام والأمن والتنمية في مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية والمحافظات المجاورة الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية الشرعية.

ويعتبرون أن الصراع المستمر خلق الكثير من التداعيات والعقبات التي لا حصر لها والتي حرمت العديد من الشباب من تشكيل ورسم مستقبل بلادهم من خلال المساهمات في النشاطات السلمية.

وقال زايد عبدالحكيم مانع، وزير الثقافة في حكومة شباب وأطفال اليمن، إن أغلب الشباب اليمني ضاق ذرعا بالعنف المستمر.

وأضاف مانع “أدى الصراع العسكري إلى خلق المزيد من الانقسامات بل وصل إلى تدمير المعالم التاريخية في اليمن بما في ذلك الكنائس في محافظة عدن وغيرها من الأماكن القديمة والتاريخية في البلاد”. وفق ما نقلت وكالة أنباء شينخوا الصينية.

وأضاف “أدّت بنا الصراعات إلى الدخول في نفق مظلم ولم نحقق أي شيء جيد للبلاد باستثناء الأزمات والجوع، الآن نحاول خلق بعض الآمال من خلال تنظيم مثل هذه الأنشطة الثقافية”.

واجتمع شباب عدن في مبادرة “طفرة عدنية” وبدأوا تنفيذ أنشطة جمالية وتحسينية لشوارع مدينة عدن، وتزيينها وإنارتها، وتنظيف شوارعها، كما أن الاهتمام الرسمي والحكومي أعطاها دفعةً وحافزاً لإنجاز المزيد.

أثر واضح

والمبادرة على الرغم من بساطتها فإنها جمعت مجموعة من الشباب، على هدفٍ تطوعي مجتمعي خدمي، لمنح الأمل إلى مواطني المدينة وتغيير الواقع والمحيط الذي يعيشون فيه.

وبالفعل ترك هؤلاء الشباب أثرا واضحاً على شوارع وأحياء المدينة وفي قلوب سكانها.

وقال شباب مبادرة “طفرة عدنية”، في بيان نشروه على صفحتهم في موقع فيسبوك، “واجهنا صعوبات كثيرة، متعلقة بمصدر تمويلنا، أو التشكيك بمصادر دعمنا، حتى إن البعض استكثر علينا تنفيذ إنارة لشارعٍ أو شارعين في عدن، أو تركيب إرشادات للمارة في الطرق العامة”.

وتحدثوا عن كل من دعمهم، ومَن وضع العراقيل أمامهم في بداية أنشطتهم أيضا، من خلال منعهم من التصوير، أو محاولة منعهم من العمل في مشاريع تقوم بها وتنفذها منظمات لها باعٌ طويل، وتحدوا كل الصعوبات وأصروا على تنفيذ حملتهم التجميلية.

وأضافوا “وجدنا أنفسنا في بؤرة فساد، ولكن حين لجأنا إلى الجهات المعنية والرسمية، وطرقنا الأبواب القانونية والحكومية، وجدنا كل الترحيب، وحظينا بتسهيلٍ كاملٍ لجميع الإجراءات”.

وأكد أعضاء المبادرة، أن عدن لن تبنيها الأيادي الحزبية أو المناطقية، أو الحسابات السياسية الضيقة، فلن تبنيها إلا أياد مدنية فقط.. ووعدوا “قريبا.. سترون التغيير الحقيقي”.

وأطلق الوزراء في حكومة شباب اليمن العديد من المبادرات التي تسعى إلى تحقيق السلام وتشجيع الشباب في البلد الممزق جراء الحرب، على المشاركة الإيجابية في بناء السلام والتنمية.

ممثلو الشباب

وحكومة شباب اليمن المستقل هي حكومة ظلت موازية للحكومة السياسية في اليمن تم إطلاق أول نسخة لها في مارس 2013 والحكومة الحالية هي الحكومة الرابعة جاءت لتجسد حق الشباب اليمني في المشاركة بمختلف جهود التنمية والوصول إلى أماكن صنع القرار ومشاركتهم في وضع السياسات الخاصة بالشباب والسياسات الوطنية

ويخضع اختيار الوزراء الشباب في هذه الحكومة إلى مجموعة معايير أولها أن يكون الشاب منخرطا في المجتمع ولديه رصيد في العمل المجتمعي التطوعي، كذلك أن يكون عاملا في نفس المجال فمثلا وزير الصحة يفترض أن يكون

طبيبا، ووزير الإعلام خريج كلية إعلام، وتتألف حكومة الشباب من 37 حقيبة وزارية.

وتحدث يحيى الطبقي وزير العدل في حكومة شباب وأطفال اليمن، إن العديد من الشباب اليمني يعانون من الآثار الناجمة عن سنوات من الصراع الدائر بين قوات الحكومة اليمنية ومقاتلي جماعة الحوثي المتحالفين مع إيران.

وقال يحيى “يعاني الكثير من الشباب من مشاكل نفسية بعد مشاركتهم في المواجهات المسلحة كما انضم آخرون إلى أنشطة غير قانونية مثل التعامل مع المخدرات”.

وأضاف “ميليشيات الحوثيين تواصل استخدام القوة في تجنيد الأطفال الذين لا علاقة لهم بالصراع الدائر”.

وتسببت الحرب في اليمن التي اندلعت منذ عام 2015 في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية والمعالم التاريخية في البلاد. وشن الحوثيون المتحالفون مع إيران حملة عسكرية كبيرة واستولوا على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014، مما أجبر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته على الانتقال إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية.

ويحتاج أكثر من 22 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية بشكل عاجل، بما في ذلك 8.4 مليون شخص يكافحون لتأمين احتياجاتهم المعيشية الأساسية.

وقال سامي السعيدي وزير الشؤون القانونية في حكومة الشباب اليمنية، “بدأنا باعتبارنا نمثل الشباب اليمني في إنشاء بعض الأنشطة الثقافية وحملات التوعية لمواجهة الأفكار الطائفية ونبذ أي معتقدات تدعو إلى الكراهية أو العنصرية في المجتمع”.

وفي مارس الماضي، ساهمت حكومة شباب وأطفال اليمن بتسليم رواتب جرحى الجيش الوطني بمحافظة مأرب بالتعاون مع قيادة المنطقة العسكرية الثالثة وقيادة وزارة الدفاع وبدعم قوات التحالف العربي بعد انقطاع تسليم مستحقاتهم المالية.  وتسعى هذه الحكومة للمساهمة بحل الإشكاليات التي تواجه المجتمع وذلك ضمن الأهداف التي تسعى لتحقيقها، وقد بدأت بتنفيذ حملة #كوفيد19- في جميع أنحاء اليمن، لتدريب شباب متطوعين للتوعية بهذا المرض ولمكافحة انتشاره وطرق الوقاية منه، يتبعه القيام بأنشطة تستهدف المجتمع.

كما أطلقت اللجنة العامة للاتصال والتواصل لشباب الجنوب في عدن، حملة مبادرة شبابية طوعية بعنوان: شباب لمجابهة كورونا وذلك لمواجهة الفايروس المستجد كوفيد-19.

فتح المجال للجميع

وأوضح رئيس اللجنة أحمد حسين السليماني أن إطلاق حملة هذه المبادرة يأتي من واجب الحرص الاجتماعي الوطني. وأضاف “لهذا تحتم علينا كشباب أن نقوم بواجبنا تجاه مجتمعنا في العاصمة عدن خاصة وباقي محافظات الجنوب عامة بضرورة الإسهام الفاعل من قبل الشباب والشابات في العمل التطوعي لمجابهة فايروس كورونا بعيدا عن أي مكاسب سياسية أو حزبية في ظل المخاطر المحدقة بأبناء شعبنا من وباء تلك الجانحة التي تفتك اليوم بشعوب العالم”.

وتابع أنه “من هذا المنطلق بادرنا نحن كشباب بإطلاق هذه الحملة التطوعية وصممنا لها استمارة إلكترونية لإفساح المجال وإتاحة الفرصة أمام كل الراغبين من الشباب والشابات في المشاركة ضمن فريق حملة شباب لمجابهة كورونا من خلال تعبئة بيانات النموذج المبين في الاستمارة الإلكترونية على صفحة اللجنة الرسمية في فيسبوك”.

وأشار إلى أنه سيتم توزيع الاستمارة بصفحات مواقع التواصل للمشاركة في هذا العمل الشبابي التطوعي لمجابهة فايروس كورونا بحسب البرنامج التنفيذي للحملة لضمان سلامة أبناء المجتمع من الإصابة بذلك الوباء.