انزعاج تركي وذعر إخواني من المهمة في ليبيا..

تقرير: أنقرة تتحدى عملية "إيريني" بقصف منطقة العجيلات بالصواريخ

رفض ليبي صارم للتدخل التركي في شؤونهم

الحبيب الأسود

أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة جديدة في البحر المتوسط لوقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا المنكوبة بالحرب، غير أن هذه المهمة تصطدم بتعنت تركيا المنزعجة من تأثير عملية “إيريني” على الدعم الذي تقدمه إلى حلفائها في حكومة الوفاق، أمام مخاوف من تراجع تزويدهم بالسلاح والمرتزقة، حيث ستكون الانتهاكات التركية تحت دائرة الضوء الأممي.

أطلق الاتحاد الأوروبي في الأول من الشهر الجاري وبصفة رسمية عملية لمراقبة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في ما يتعلق بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، مطلقا عليها اسم “إيريني” بمعنى السلام في اللغة اليونانية، في الوقت الذي تقود فيه أثينا العملية، بعد أن أكدت لشركائها الأوروبيين استعدادها لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين، ممن قد يتم ضبطهم في البحر المتوسط، على أن يتم جمعهم في مخيمات، ومن المرجح أن تكون في جزيرة كريت حسب ما ذكرته تقارير يونانية.

وستعتمد عملية “إيريني” في تنفيذ مهمتها على استخدام الوسائل الجوية والأقمار الصناعية ودوريات تفتيش السفن في أعالي البحار قبالة السواحل الليبية، مع مهام إضافية مثل رصد وجمع المعلومات حول الصادرات غير الشرعية للنفط ومنتجاته المكررة من ليبيا، وتدريب خفر السواحل وحرس الحدود في ليبيا، وكذلك محاربة تهريب البشر.

وتبلغ مدة العملية عاما واحدا قابلا للتمديد، فيما قال الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن هذه العملية لن تحل الوضع في ليبيا، ولكنها “جزء من الحل” مشيرا إلى “أن الهدف الرئيسي من العملية هو تطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، كما ستعمل وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. وتابع “الهدف هو وقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا والمساهمة في هدنة قابلة للحياة”.

بدوره أشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو إلى تشكيل مجموعة عمل تسعى لوضع اللمسات الأخيرة على المهمة من ناحية مساهمات الدول وآليات التشغيل، مشددا على أن «إيريني» ستضطلع أساساً بمهمة مراقبة تنفيذ القرار الأممي بالإضافة إلى مهام أخرى ثانوية لا يشكل البحث والإنقاذ في المتوسط جزءاً منها.

ويشير المراقبون إلى أن المهمة الأوروبية قبالة السواحل الليبية تواجه تعنتا تركيا معلنا، حيث تحدت بارجة عسكرية تركية الخميس الماضي القرارات الأممية، بالاقتراب من ساحل مدينة زوارة، في أقصى الغرب الليبي، وإطلاق صاروخين في قصف عشوائي سقطا في مناطق خالية من العمران، وهو ما اعتبره الجيش الليبي تعديا مباشرا على بلاده، ونذر إنزال بحري في غرب البلاد.

وأكد الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن إطلاق بارجة تركية صواريخ من عرض البحر على منطقة العجيلات تطور خطير في العمليات العسكرية الجارية في غرب البلاد، وهو استمرار لتدخل البحرية التركية في غزو ليبيا عسكريا، مشيرا إلى أن البوارج التركية كانت في السابق ترافق سفن شحن تقل أسلحة ومعدات عسكرية وإرهابيين ومرتزقة سوريين إلى ليبيا.

وينظر الأتراك لعملية إيريني على أنها استفزازية بالنسبة لهم، خصوصا وأن قيادتها آلت لليونان، الجارة العدوة بالنسبة لأنقرة، والتي لا تخفي دعمها للقيادة العامة للقوات المسلحة في ليبيا، في ظل تداعيات مذكرة التفاهم على المنطقة البحرية الخالصة التي وقعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق في طرابلس فايز السراج في 27 نوفمبر الماضي، والتي رافقتها مذكرة ثانية تخص التنسيق الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، فتحت لاحقا باب التدخل التركي المعلن في الداخل الليبي عبر نقل الأسلحة والمرتزقة والخبراء العسكريين لدعم ميليشيات الوفاق.

وكان الجيش الوطني الليبي عبّر عن دعمه لعملية “إيريني” حيث قال مدير المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، خالد المحجوب أن العملية تهدف إلى منع توريد الأسلحة إلى ليبيا ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، ما يجعلها مهمة للأمن القومي الليبي والدولي، وأضاف أن “الحظر يعتبر مسألة مهمة، لأنه يمس الأمن القومي ليس الليبي فقط، بل والأوروبي، فمع سيطرة الميليشيات قد ينتقل المرتزقة إلى دول أوروبية وإن نجحوا في هذا الأمر فسيكون الأمر خطيرا جدًا على هذه الدول”، مردفا أن “دعم نظام أردوغان للميليشيات بالسلاح والمرتزقة حال دون بسط نفوذ الدولة الليبية على كامل أراضيها بما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار والتوصل إلى الحل السياسي”.

وأكد المحجوب “أن الدعم التركي للميليشيات بالأسلحة والمرتزقة دفع إلى تجدد المعارك”، وتابع “نحن أوقفنا القتال والميليشيات كانت على وشك الاندثار، لكن مع الدعم المقدم من تركيا بعد لقاء روسيا، وبعد أن وعد الرئيس التركي بوقف القتال، قام بمد الميليشيات بالسلاح وأرسل إليها مددا بالآلاف من المسلحين، لتنقلب عن اتفاق وقف إطلاق النار المقرر، وهذا معروف في سياسة تنظيم الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية بأنها لا تعترف ولا تنفذ المواثيق والقيم”.

لكن بالمقابل، أبدت حكومة الوفاق تحفظها عن العملية، وقال وزير خارجيتها محمد الطاهر سيالة، في رسالة لمجلس الأمن، إن: “من حق حكومة الوفاق المشروع الدفاع عن ليبيا وأرضها وحماية مواطنيها بما يتطلبه ذلك من تحالفات علنية وفق القوانين الدولية وعبر القنوات الشفافة” على حد قوله، وأضاف أن “خطة الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر توريد الأسلحة لليبيا غير كافية ولم يتم التشاور حولها مع حكومة الوفاق كما نص قرار مجلس الأمن رقم 2292 في مادته الثالثة، وأن هذه الخطة تغفل مراقبة الجو والحدود البرية الشرقية لليبيا والتي تؤكد التقارير الأممية وغيرها تدفق السلاح والعتاد عبرها لدعم القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة  حفتر” على حد تعبيره.

كما استنكر أعضاء مجلس النواب المنشقون في طرابلس عملية “إيريني”، واصفين إياها بأنها “خرق” لأحكام القانون الدولي و”مصادرة” لحق الدولة الليبية في ممارسة سيادتها وحقها في إبرام الاتفاقيات الدولية، وأشاروا في بيان إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس له أي سلطة على سيادة الدول خارج نطاقه، معتبرين أن الإجراء “يمس بسيادة الدولة الليبية” ممثلة في حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، و”يصادر” حقها في الدفاع عن نفسها، ويعد تدخلا في إدارة سياستها.

وجاءت ردود الفعل تلك في سياق الانزعاج الإخواني والميليشياوي من مهمة الاتحاد الأوروبي، حيث باتت هناك قناعة لدى قوى الإسلام السياسي وأمراء الحرب في طرابلس ومصراتة، بأن المهمة الأوروبية ستقطع عنهم الدعم التركي بالسلاح والمرتزقة، أو ستجعله على الأقل تحت الضوء الأممي.

وأبدى مجلس الدولة، الخاضع لسيطرة جماعة الإخوان، قلقه بشأن ما وصفه بالغموض الذي يكتنف عملية “إيريني” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمراقبة تنفيذ حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، داعيا “المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إلى الاضطلاع بدوره في المطالبة بتفسير واضح لهذه العملية والاحتجاج لدى الاتحاد الأوروبي على ما يمارسه من معايير انتقائية، تعطي مؤشرات على الانحياز لصالح خليفة حفتر”، وفق تعبيره.

فيما ندد رئيس حزب التنمية والبناء، الذراع السياسية لجماع الإخوان في ليبيا محمد صوان، بالعملية، زاعما أنها جاءت في الوقت الذي حققت فيه الميليشيات تقدما على حساب الجيش، في محاولة منه للتغطية على الخسائر الفادحة التي تكبدتها الجماعات المسلحة المدعومة بمرتزقة أردوغان خلال الأيام الماضية.

وهاجم منصور الحصادي، عضو مجلس الدولة الاستشاري، العملية البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، ووصفها بـ”المشبوهة” على حد تعبيره، قائلا إن “أقل ما يقال عن عملية إيريني هو أنها مشبوهة، وأتت في توقيت مشبوه، والغرض منها هو التضييق على حكومة الوفاق ومنع وصول المساعدات إليها، بالمقابل المجال الجوي والبري والبحري مفتوح في شرق ليبيا لإمداد حفتر من قبل الدول” على حد زعمه.

وتبدو ردود الفعل المتشنجة الصادرة عن حلفاء أردوغان في ليبيا، دليلا على خشيتهم من تأثير “إيريني” على الدعم التركي الذي يطمحون إلى أن يكون أداتهم لتغيير موازن القوى في محاور القتال، خصوصا في ظل الأوضاع التي يمر بها النظام التركي حاليا، داخليا وخارجيا.