الصراع في اليمن..

تحليل: كيف راكم فشل «السعودية» مكاسب ايران في اليمن؟

تقويض استراتيجية إيران الرامية إلى تحويل اليمن إلى لبنان آخر

سياف الغرباني

في أبريل/ نيسان 2015، أي بعد شهر واحد من بدء الحملة العسكرية الجوية، ضد جماعة الحوثيين في اليمن، بدا المتحدث السابق باسم قوات التحالف بقيادة السعودية واثقاً من أن الحركة المدعومة من إيران ستنهار في غضون بضعة أشهر.

انقضت خمسة أعوام، فيما لا تزال الحرب -التي قيل بعد عدة أسابيع على اندلاعها أنها حققت أهدافها- بعيدة عن أن تضع أوزارها أو عن أن تقوض سيطرة الحوثيين على نصف اليمن، بقدر ما تعاظمت كلفتها الإنسانية، واتسعت ساحاتها وأخذت تطاول العمق السعودي.

في الأثناء تبدو السعودية، التي قادت الحرب بفشل ذريع، تود التراجع عسكرياً على الأقل، لكنها لا تجد استراتيجية آمنة للخروج. ذلك أن مسار الصراع الآن، والهجمات التي طالت منشآت النفط على أراضيها؛ تشير إلى أن مآلات الحرب تسير في الاتجاه المعاكس.

ولإن كانت السعودية قد سعت، من خلال التدخل العسكري، إلى إحباط محاولات طهران زرع مليشيا طائفية في فنائها الخلفي، إلا أن الهجمات المتصاعدة بدت مؤشراً على إخفاق ملحوظ في إدارة المواجهة مع الحوثيين ومن خلفهم إيران.

وشهد العامان الرابع والخامس من الحرب تصاعداً في وتيرة الهجمات الحوثية بواسطة الصواريخ الباليسية وطائرات الدرونز الملغومة، على المدن الحدودية السعودية، وحتى على أهداف بعيدة مثل العاصمة الرياض.

ويلحظ أن الحرب لم تحقق فائدة تذكر سواءً للسعودية التي أنفقت أموالاً طائلة، وتجد حالياً مدنها ومطاراتها مستهدفة بالطائرات دون طيار الإيرانية، أو لجهة استعادة الدولة اليمنية من أيدي الحوثيين، ومن الناحية الاستراتيجية يمكن القول إن حكومة هادي المقيمة في الرياض في وضع أضعف مما كانت عليه في عام 2015.

وفي مواجهة استراتيجية سعودية مرتبكة، تعتمد بدرجة أساس على أطراف محلية تستغل الحرب للكسب المادي، لم تكن هناك إمكانية لإنجاز مهمة تحرير كافة الأراضي اليمنية التي استولى عليها الحوثيون في عام 2015. ونتيجة لذلك، بدا أن احتمال الفوز بالحرب يتراجع تدريجياً، ولاحقاً تلاشى بعد فقدان عمليات القوات الإماراتية في ساحات المعارك الرئيسية.

وقد كانت الإمارات التي دخلت اليمن محكومة بقاعدة "إصلاح الوضع أو مغادرة البلاد"، كما كشف أحد كبار ضباطها، أسرع وأكثر حسماً في التعامل مع هذه الحقيقة؛ فبادرت إلى سحب جزئي لقواتها من بعض المناطق في اليمن.

واستطاع الإماراتيون منع الحوثيين من الاستيلاء على معظم أراضي اليمن، وبالتالي حرموا إيران من السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه منعوا تنظيم "القاعدة" من إقامة أكبر خلافة إقليمية له بعد أن استولى على المكلا عام 2015.

مع الإشارة إلى القوات الإماراتية الخاصة حين بدأت إنهاء سيطرة الحوثيين على عدن خلال نيسان/أبريل 2015، كانت بمفردها تقريباً. في حين أن تحرير جنوب اليمن تحقق بعملية نفذتها الإمارات من جانب واحد، فيما تمكن الحوثيون من الاحتفاظ بشمال اليمن الذي يضم حوالي ثلاثة أرباع السكان، وهو مسرح عمليات السعودية والقوات اليمنية المسنودة منها.

والواقع أن الرياض وسلطة الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي، عانتا إخفاقات مدوية خلال العامين الأخيرين من الحرب، إذ من الناحية العسكرية لا يزال الحوثيون يسيطرون على معظم مناطق شمال اليمن بما فيها العاصمة صنعاء، رغم تدني إمكانياتهم، مقارنة بإمكانيات القوات المدعومة من التحالف، وبعد تعرضهم لضربات جوية مدمرة.

وعوضاً عن تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي شنت لأجله العملية الجوية والمتمثل في تقويض استراتيجية إيران الرامية إلى تحويل اليمن إلى لبنان آخر تتحكم فيه من خلال أذرعها المحلية؛ تمكنت طهران من تحقيق عدد من الأهداف التكتيكية والسياسية التي عززت حضورها في مضمار اليمن.

بيد أن الفشل السياسي يظل الأسوأ على الإطلاق، ولا أدل على ذلك من عجز السعودية عن تنفيذ اتفاق الرياض، الذي رعته بين حكومة عبدربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، أو على الأقل كبح اندفاع القوات الموالية لتنظيم الإخوان المسلمين، باتجاه مناطق الجنوب المحررة وهو ما يثلج صدور الحوثيين.

ويعزز هذا الاستنتاج، أن الانتكاسات الكبرى لقوات حكومة الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي، في جبهات "نهم" شرق صنعاء و"الغيل والحزم" بمحافظة الجوف، وقعت بعد هجوم ذي طبيعة استراتيجية قام به الحوثيون، بينما كانت قوات الجنرال علي محسن الأحمر تعزز عناصرها في محافظة أبين جنوبي البلاد بعتاد سعودي.

وقد بدا واضحاً من تلك الخطوة، أن سيطرة حزب الإصلاح الإسلامي، على قرار حكومة الشرعية وقواتها تضع الأخيرة في الجانب الآخر من الحرب التي يقودها التحالف ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، كما أنها تترك شكوكاً حول دور اللاعب القطري في اختراق قوات قيادة التحالف عبر أدواته في هرم سلطة الرئيس هادي.

ومن شأن التطورات اليمنية الأخيرة أن تزيد من حرج قيادة التحالف، ومما يفاقم من حدة الوضع المحرج الذي تواجهه المملكة هو حقيقة أن إيران، قدمت مساعدة سرية وافرة إلى الحوثيين، شملت صواريخ بعيدة المدى أُطلقت لمسافات بعيدة وصلت إلى حد ضرب الرياض، فضلاً عن قوارب سريعة عائمة لتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

ومقابل الإخفاقات التي مُنيت بها الحكومة، المعترف بها دولياً، في مناطق شمال وشرق اليمن، ساهمت السعودية بشكل ما في تعطيل المعارك المحتدمة على جبهة الحديدة على الضفة الشرقية للبحر الأحمر، وهي العملية التي كانت قد فتحت الباب لكسر شوكة الحوثيين عسكرياً وتحقيق انقلاب في المشهد الميداني على الأرض، يهيئ لإنجاز اتفاق سياسي محكوم بمعادلة "منتصر ـ خاسر"، وهذا ما ألمح إليه الموفد الأممي (مارتن غريفيث) عندما تحدث عن "رغبة جادة" لمسها عند الحوثيين للمشاركة في المشاورات، بعد كسر القوات المشتركة لدفاعاتهم حول المدينة والتوغل إلى عمقها.