استراتيجية الصمود..

تحليل: تفشي كورونا في إيران.. هل يفتك باقتصاد الأذرع الإرهابية؟

انكماش الاقتصاد الإيراني

طهران

اعتبر تقرير بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن الضربة التي وجهها فيروس كورونا المستجد لإيران أشد قسوة من العقوبات الأمريكية؛ خاصة أن تفشي الفيروس في جميع أنحاء العالم يقوّض العديد من العلاقات التجارية التي تعتمد عليها الجمهورية الإسلامية لمواجهة العقوبات.

منذ انتشار الوباء لم تعد المصانع تعمل بكامل طاقاتها كما ألغت ساعات العمل الإضافية ومنحت العمال الذين يعانون من مشاكل صحية إجازات مدفوعة الأجر

ويُشير التقرير، الذي أعده كل من أندرو إنغلاند ونجمة بوزورغمهر، إلى أن العقوبات الأمريكية الصارمة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران قد أسفرت عن تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني أكثر من أي وقت، لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان يتفاخر في شهر فبراير (شباط) الماضي، بأن اقتصاد بلاده لايزال قادراً على الصمود والمقاومة من دون النفط.

مزيد من العزلة
بيد أنه بعد ثلاثة أيام من خطاب روحاني، ظهرت أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا الذي انتشر بسرعة ولم يكشف عن أزمة صحية فحسب، وإنما كشف أيضاً عن هشاشة آليات البقاء في إيران، لدرجة أن البعض جادل بأن كورونا قد نجح في تحقيق ما أخفقت فيه العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب؛ وتحديداً تقويض العديد من طرق التجارة الإقليمية التي اعتمدت عليها إيران خلال العامين الماضيين.

وفي الأسابيع التالية ارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا إلى 20,610 حتى يوم السبت الماضي، ووصل العدد الرسمي للوفيات إلى 1,556. وبحسب التقرير باتت إيران أكثر عزلة من أي وقت مضى وناشدت المجتمع الدولي للحصول على المساعدات الدولية، بما في ذلك قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لاسيما أن العقوبات الأمريكية تقوض قدرتها على الاستجابة للأزمة.

ويوضح التقرير أن العديد من الدول المجاورة لإيران أغلقت حدودها، بما فيها العراق وتركيا وباكستان وأفغانستان وأرمينيا، أو فرضت قيوداً على المعابر والتجارة، وتوقفت حركة شركات الطيران الأجنبية فيما عدا الخطوط الجوية القطرية التي لا تزال تسيّر رحلات إلى إيران.

استراتيجية الصمود
ويعتبر الاقتصادي الإيراني، سعيد ليلاز، أن الضربة التي وجهها فيروس كورونا إلى اقتصاد إيران خلال فترة قصيرة جداً تُعد أكثر قسوة من العقوبات الأمريكية. وعقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وفرضها عقوبات هي الأشد صرامة على الإطلاق، على طهران، ارتكزت استراتيجية الصمود التي انتهجتها إيران على ثلاثة محاور: أولها تعزيز الإنتاج المحلي، خاصة في القطاعات الرئيسية مثل البتروكيماويات والصلب والإسمنت والزراعة والتصنيع، وثانيها محاولة تعزيز الصادرات غير النفطية، وثالثها التحول إلى الأسواق الإقليمية باعتبارها سوقاً للبضائع الإيرانية ومراكز لإعادة الشحن.

ويلفت التقرير إلى أن طهران لديها وسطاء يتجولون في المنطقة بحقائب تمتلئ بمئات الآلاف من الدولارات؛ لتطوير شبكات معقدة من طرق التداول، وإنشاء مكاتب خارجية وشركات للحفاظ على تدفق البضائع والأموال حتى لو كان ذلك بكلفة أعلى وبأوقات تسليم أطول.
وتنتج إيران ما يكفي من الغذاء لسكانها البالغ عددهم 80 مليون نسمة، إلى جانب التصدير إلى دول الجوار. وتستحوذ الشركات الإيرانية على قرابة 70% من حاجات الأدوية في البلاد، ويتم استيراد الباقي، سواء الأدوية الجاهزة أو المكونات، التي لا لعقوبات، ولكن ثمة صعوبة في إجراء المعاملات المالية نتيجة خشية البنوك من التورط مع إيران والتعرض للعقوبات الأمريكية.

ويورد التقرير أن إيران تعاني من نقص في الأدوية المتخصصة مثل أدوية السرطان وكذلك الأجهزة الطبية الملائمة لمكافحة فيروس كورونا. وحتى قبل تفشي هذا الفيروس، أخفق نظام الملالي في إخفاء الأضرار التي ألحقتها العقوبات الأمريكية بالشعب الإيراني، خاصة الفقراء؛ إذ انخفضت صادرات النفط الإيراني من 2,8 مليون برميل يومياً قبل عامين إلى بضع مئات الآلاف فقط.

انكماش الاقتصاد الإيراني
وبحسب صندوق النقد الدولي، انكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 9,5% في العام الماضي، وفقد الريال أكثر من 50% من قيمته في الأشهر التي تلت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وتجاوزت معدلات التضخم نسبة 40% وغادرت الشركات الأجنبية من البلاد.

ومع ذلك، يرى بعض المحللين الإيرانيين أن إيران لديها قدرة على التعامل مع الصدمات المتعلقة بالعقوبات، ومع غياب المنافسة الأجنبية استطاع بعض الشركات الإيرانية التوسع.

 وخلال الشهر الجاري، أشار البنك المركزي الإيراني إلى أن النمو غير النفطي قد زاد بنسبة 1,3% في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية المنتهية في 19 من شهر مارس (آذار) الجاري. كذلك، تزايد نمو القطاعات والخدمات في الزراعة والصناعة والتعدين بنسبة 7,8% و7% و1,2 في المئة، على التوالي بين شهري سبتمبر (أيلول) وديسمبر (كانون الأول).

وبحسب تقرير "فايننشال تايمز" كان لتفشي فيروس كورونا والأزمة الصحية في إيران تداعيات على قطاع الصناعة الذي كان يعمل بصرامة لزيادة الإنتاج باعتباره نموذجاً لاقتصاد المقاومة، ولكن منذ انتشار الوباء لم تعد المصانع تعمل بكامل طاقاتها كما ألغت ساعات العمل الإضافية ومنحت العمال الذين يعانون من مشاكل صحية إجازات مدفوعة الأجر.

تركيا الوجهة المفضلة

ويقول التقرير: "لا تزال الصين الوجهة الرئيسية لإيران، أما تركيا التي تستورد الغاز الإيراني، فقد باتت الوجهة المفضلة لرجال الأعمال الإيرانيين لإنشاء مكاتب أو تحديد مواقع لوسطاء وممثلين لمواصلة التجارة. وأسس الإيرانيون أكثر من 2000 شركة في تركيا خلال عامين فقط، وبعضهم يعمد إلى شراء عقارات بقيمة 250 ألف دولار أمريكي لتأمين جوازات السفر التركية، وتسهيل أعمالهم التجارية".

وحتى مع خسارة إيران لقرابة 50 مليار دولار منذ مايو 2018 في عائدات النفط، إلا أنها عوضت بعض الخسائر بزيادة الصادرات الأخرى، خاصة البتروكيماويات والصلب والإسمنت، ويكثف الحرس الثوري الإيراني أنشطة في بعض هذه المجالات؛ حيث يشرف على إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف وغير شفافة. وعلاوة على ذلك فإنه من السهل على الولايات المتحدة تتبع صادرات النفط الخام الإيرانية، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للبتروكيماويات التي يمكن تكديسها في حاويات الشحن ويصبح تتبعها أكثر صعوبة.

ويختتم التقرير بأنه رغم أن الإيرانيين اختبروا أكثر من أربعة عقود من العيش بدرجات متفاوتة من العقوبات، ولكن إدارة ترامب تستهدف الكيانات والأفراد بلا هوادة، وتتزايد معاناة الشعب الإيراني، خاصة مع تفشي فيروس كورونا الأمر الذي فاقم المخاوف بشأن الصحة والأمن وإمكانية الحصول على الدواء.